header-banner
تربية الطفل

أخصائية نفسية لـ"فوشيا": برامج المقالب وسيلة تدمر ما بناه الآباء

أمومة
إيمان بونقطة
10 أبريل 2025,11:13 ص

في عصر تتسابق فيه المنصات الرقمية لجذب الانتباه، لم تعد مقاطع الفيديو الموجهة للأطفال تخضع دائمًا للرقابة أو التفكير التربوي السليم. فمن بين أبرز الظواهر التي اجتاحت منصات مثل "يوتيوب" و"تيك توك"، تأتي برامج المقالب التي تصور مواقف مفاجئة، مؤذية أحيانًا، على أنها مادة للضحك والمزاح.

وبينما يتابع ملايين الأطفال هذه الفيديوهات يوميًا، تبدأ التساؤلات بالظهور: كيف يرى الطفل هذا المحتوى؟ كيف يتفاعل معه؟ وهل يدرك فعلًا أن ما يشاهده مجرد تمثيل؟

في حوار خاص مع "فوشيا"، تحدثت الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص عن التأثيرات العميقة والخفية التي تتركها هذه البرامج في نفس الطفل وسلوكه، محذّرة من الانعكاسات الخطرة التي قد لا يدركها الأهل إلا بعد فوات الأوان.

برامج المقالب.. كيف تهدد الصحة النفسية للأطفال؟

41fddf69-d1e2-40d7-b999-89b41dc387f7

بينما يعتقد بعض الأهالي أن هذه البرامج هي مجرد عرض ترفيهي يلهي الطفل قليلا، لكن قد تكون الآثار النفسية لها أعمق مما نعتقد، وفي هذا السياق أجابت الأخصائية لانا عن أهم الأسئلة التي تهم الآباء لحماية أطفالهم.

كيف تؤثر برامج المقالب، خاصة المنتشرة على يوتيوب، في الصحة النفسية للأطفال؟

تقول الأخصائية لانا قصقص إن هذه البرامج، التي تعتمد على العنف الرمزي مثل الخوف، الإذلال، الألم أو التصرفات غير الأخلاقية، تُقدَّم كوسائل للضحك، لكنها في الواقع تترك أثرًا سلبيًا كبيرًا على الطفل. فالطفل، عند تعرضه لمشاهد الإيذاء المتكررة، يبدأ بفقدان شعوره بالأمان، خاصة أنه لا يستطيع التمييز بين العالم الافتراضي والواقعي، فيربط نفسه بالمكان والشخصيات وكأنها واقعه المباشر. هذا يخلق حالة من القلق الدائم والخوف من التعرّض لموقف مشابه.

أما من ناحية التقليد، فالأطفال يتعلمون بالملاحظة، كما توضح نظرية باندورا، ما يعني أنهم قد يحاولون تقليد السلوك العدواني الذي يشاهدونه، أو – وهو الأخطر – يتسامحون معه ويعتبرونه وسيلة مقبولة للضحك والتسلية، ما يشوّه فهمهم للقيم الأخلاقية والسلوكية.

هل يستطيع الأطفال التمييز بين المزاح الآمن والمقالب المؤذية؟ وما مدى خطورة تعرضهم المتكرر لهذا النوع من المحتوى على سلوكهم وتفكيرهم؟

توضح الأخصائية أن الأطفال، خاصة دون سن السابعة، لا يملكون القدرة على التمييز بين السلوك المؤذي وغير المؤذي. ودمج مشاعر الألم والخوف بالضحك يجعلهم يربطون بين الأذى والمتعة؛ ما يشكل لديهم مفاهيم خطيرة حول العلاقات والمواقف الاجتماعية.

وتضيف: حين يعتاد الطفل على الضحك الناتج عن الألم، قد يعتبر أن من حقه إضحاك الآخرين ولو على حساب مشاعرهم وكرامتهم، وهذا يعطل نموه الأخلاقي بشكل واضح.

أخبار ذات صلة

استشارية طفولة مبكرة لـ"فوشيا": هكذا تعلمين طفلك اللعب المستقل

ما أثر مشاهد الخداع والضحك على الخوف أو الألم في تشكيل مفاهيم الطفل حول العلاقات الاجتماعية والثقة بالآخرين؟

تشير قصقص إلى أن مشاهد الخداع، حين تقدم تحت عنوان "مزاح"، تزعزع مفهوم الثقة عند الطفل، فيبدأ بالشك حتى في أقرب الناس إليه.

كذلك، تُشوّه هذه المشاهد صورة العلاقات الاجتماعية مثل الصداقة والحب واللعب، فيتعلم الطفل أن العلاقات تقوم على استغلال الآخرين وليس على الاحترام.

وتضيف: إن تكرار التعرض لمشاهد الإيذاء يجعل الطفل أقل تعاطفًا مع الآخرين، ويفقده حسه الإنساني الطبيعي في التعامل الاجتماعي.

ما العلامات النفسية أو السلوكية التي قد تظهر على الطفل وتدل على تأثره السلبي بهذا المحتوى؟ ومتى ينبغي على الأهل التدخل؟

تحذر لانا من عدة مؤشرات منها: الأرق، الكوابيس، القلق الليلي، الضحك غير الطبيعي عند مشاهد العنف، تقليد السلوكيات العدوانية، وفقدان الثقة بالآخرين.

كما قد يلاحظ الأهل أن الطفل يكرر عبارات أو مواقف شاهدها في هذه الفيديوهات. وتؤكد أن على الأهل التدخل فورًا عند ملاحظة التراجع الدراسي، الانسحاب الاجتماعي، أو المبالغة في الضحك والتنمر، فكلها علامات حمراء تستدعي وقفة جادة.

ما الدور المطلوب من الأهل، والمدارس، والمنصات الرقمية للحد من تأثير هذه البرامج؟ وهل الرقابة كافية أو أن التوعية هي الحل الأهم؟

تؤكد قصقص أن الدور يبدأ من الأسرة، من خلال المراقبة الواعية والجلوس مع الأطفال أثناء المشاهدة، وفتح حوار حول ما يرونه، مع توضيح أن هذا النوع من "الضحك" لا يشبه قيمنا.

كما يجب تدريب الطفل على التفكير النقدي، وربط المحتوى بالقيم الحقيقية التي نرغب في ترسيخها.

أما المدارس، فيقع على عاتقها إدخال التربية الإعلامية ضمن المناهج، ومتابعة الطلاب وتحويل من يحتاج إلى دعم إلى اختصاصيين.

وبالنسبة إلى المنصات الرقمية، فتتحمّل مسؤولية وضع تصنيفات عمرية دقيقة، وعدم بث المحتوى المؤذي بشكل عشوائي، إضافة إلى التنبيه قبل عرض أي مقطع لا يناسب الفئات الصغيرة، وتشجيع صنّاع المحتوى الإيجابي.

 

ختامًا، وأمام طوفان المحتوى الرقمي، لا يمكننا الاكتفاء بالرقابة فقط، بل نحن بحاجة إلى بناء جيل يمتلك وعيًا نقديًّا وقلوبًا تعرف كيف تضحك دون أن تؤذي. الأطفال لا يملكون الفلترة التي نمتلكها نحن الكبار؛ ما يجعلهم عُرضة لتشويش القيم وتشويه العلاقات. وهنا تأتي أهمية دور الأهل، والتربية المدرسية، والمنصات، لبناء محتوى يليق بطفولة نظيفة، ويحمي براءتها من أن تُختطف خلف شاشة بلا ضوابط.

أخبار ذات صلة

(خاص) بعد "لام شمسية".. مختصون: هكذا تحمي طفلك من التحرش

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo