أن تكوني أُماً، لا يعني أن تكوني مُسخّرة بالكامل لأطفالك، فالأمومة ليست هوية كاملة تحددك، بل هي مجرد دور مثل باقي الأدوار في الحياة، فأنت أيضا الزوجة والصديقة والأخت، والموظفة، والابنة أيضاً.
بعض الأمهات تغرق في دور الأمومة إلى أن يصبح كينونة كاملة تمثلها، وتنسى نفسها في خضم ذلك، ثم تقتنع بأن مشاغلها الكثيرة كأم هي من أثرت على وجودها الخاص.
وعلى الرغم من حقيقة صعوبة دور الأمومة، إلا أن كل أم تستطيع أن تجد نفسها وشغفها الخاص بين كل تلك المشاغل إذا تعلمت بعض المهارات الحياتية الأساسية لتنظيم حياتها، والموازنة بين أدوارها في الحياة وما ترغب بعيشه حقاً والاستمتاع به.
لا شك أن الأمومة من أسمى التجارب، ولكن اختزال المرأة في هذا الدور وحده قد يكون مرهقاً نفسياً وعاطفياً. حين تهمش الأم اهتماماتها الشخصية، وتتنازل عن أحلامها ومشاريعها، تبدأ هويتها بالتلاشي، ويتسلل إلى داخلها شعور غير معلن بالفراغ، حتى لو بدا كل شيء في الظاهر على ما يرام.
الطفل لا يحتاج إلى أم مثالية تُذيب ذاتها من أجله، بل يحتاج إلى أم متوازنة، تمتلك شغفاً خاصاً، وتعيش حياة مليئة بالحيوية والرضا الداخلي.
وجود شغف خاص بك سواء كان مشروعاً بسيطاً، هواية، تعلم مهارة جديدة، أو حتى مشاركة في أنشطة مجتمعية يمنحك شعوراً بالاكتمال. هو المساحة الخاصة التي تعيدين فيها شحن طاقتك، وتذكّرك بأنك أكثر من قائمة مهام يومية، وأكثر من مربية ممتازة.
تشير الدراسات إلى أن الأمهات اللاتي يحتفظن بجزء من وقتهن لممارسة شيء يحببنه، يشعرن برضا نفسي أعلى، ويملكن قدرة أكبر على التعامل مع ضغوط التربية، بل وينقلن لأطفالهن نماذج صحية لحب وتحقيق الذات.
الكثير من الأمهات يقعن في فخ الشعور بالذنب إذا خصصن وقتاً لأنفسهن، أو ركزن على شغف معين بعيداً عن الطفل. ولكن الحقيقة أن هذا النوع من الاهتمام بالنفس ليس أنانية، بل هو ضرورة لاستمرار العطاء.
حين تعتني الأم بنفسها، فإنها تخلق دائرة من الطاقة الإيجابية تؤثر على جميع من حولها، وأولهم طفلها. بل إن الطفل يتعلّم من خلال هذه المشاهدة كيف يحب نفسه، ويطوّر اهتماماته، ويعيش حياة متوازنة.
قد لا يكون من السهل دائماً معرفة الشغف، خاصة بعد سنوات من الانشغال الكامل بالأسرة. ولكن الأمر لا يحتاج إلى قرارات كبرى، بل إلى خطوات صغيرة:
ابدئي بالقليل، ولو بنصف ساعة في الأسبوع، وراقبي كيف ينعكس ذلك على حالتك المزاجية وتفكيرك.
أن تكوني أُماً لا يعني أن تتخلي عن أحلامك، بل أن تتعلمي كيف تدمجينها في حياة مليئة بالحب والتوازن. ابنكِ سيكبر، وسيشق طريقه الخاص، ولكنكِ ستبقين مع ذاتكِ، فاحرصي أن تكون هذه الذات مزدهرة، وملهمة، ومليئة بالحياة.
لأنكِ تستحقين أن تكوني أماً… وإنسانة شغوفة أيضاً.