يتعلق جميع الأطفال بأمهاتهم، فهذه العلاقة الفطرية والطبيعية بين الأم وطفلها تعد من أعمق الروابط الإنسانية التي تشكل أساس الأمان والراحة للطفل. ومع ذلك، في بعض الأحيان، قد يتجاوز هذا التعلق الحدود الطبيعية ليصل إلى درجات قد تبدو مبالغا فيها، مثل رفض الطفل تناول الطعام إلا إذا كانت الأم هي من أعدته، أو تعنت الطفل في حل واجباته إلا إذا كانت والدته هي من تشرف عليه.
بينما قد نعتبر بعض التصرفات أمرا عاديا، هناك سلوكيات أخرى مثل رفض الطفل التعلم أو الإجابة بشكل خاطئ إلا بحضور الأم، تثير العديد من التساؤلات حول مشاعر هذا الطفل وما يختبئ وراء تلك التصرفات. فما الذي يدفع الطفل لتقديم هذا التعلق المفرط؟ وهل هو مجرد سلوك عابر أم أنه يعكس شيئًا أعمق من ذلك؟
في هذا المقال، سنستعرض التعلق المفرط لدى الطفل بوالدته، ونغوص في أسبابه وجذوره، كما سنتناول طرقا عملية للتعامل مع هذه الحالة بطريقة تحافظ على التوازن العاطفي للطفل وتساعده على النمو بشكل صحي ومستقل.
يعتبر التصاق الأطفال المستمر بأمهاتهم وآبائهم من التصرفات الطبيعية التي قد يواجهها الكثير من الآباء في مراحل نمو أطفالهم، خاصة في السنوات الأولى.
وعند التفكير في سبب التصاق الطفل، يجب أن نعلم أنه يعود إلى حاجته الفطرية للأمان. منذ العصور القديمة، كان بقاء الأطفال بالقرب من أسرهم يعد وسيلة لضمان بقائهم على قيد الحياة، إذ كانوا أكثر عرضة للمخاطر والتهديدات عند الابتعاد عن المجموعة. لذلك، التصاق الطفل هو في جوهره سلوك يعود إلى غريزة البقاء.
لكن الأمر يتجاوز أحيانا التعلق الطبيعي ليرتبط أكثر بسلوكيات تبدو مبالغا فيها؛ إذ تخفي هذه السلوكيات العديد مما يحتويه قلب الطفل ويجعله يقوم بالتعلق كردة فعل لذلك، إليك أهم التفسيرات في هذا الصدد:
قد يشعر الطفل بالقلق بسبب تغيرات في بيئته أو في روتينه اليومي. قد تكون هذه التغيرات غير مرئية للآباء، لكنها تؤثر بشكل كبير على الطفل؛ ما يجعله يبحث عن الراحة في أحضان والديه. التصاق الطفل هنا هو تعبير عن احتياجه للأمان والاطمئنان.
في بيئة غير مستقرة، حيث تتغير الأمور بشكل مستمر أو تكون الأحداث غير متوقعة، يشعر الطفل بفقدان السيطرة؛ مما يزيد من تعلقه. قد يترجم هذا التصرف إلى التصاق أكثر؛ بسبب شعوره بعدم الأمان.
تواجه الأم العاملة مزيدا من ردود الفعل المشابهة، بسبب اضطرارها للابتعاد عن طفلها لمدة طويلة خلال اليوم؛ ما يجعل الطفل يرغب في تعويض هذا البعد بالتصاقه بها قدر الإمكان.
بعض الأطفال قد يظهرون تصرفات متشبثة؛ لأنهم ببساطة يبحثون عن المزيد من التفاعل. قد يفتقرون إلى الأنشطة التي تحفزهم، فيلجؤون إلى الالتصاق بأمهاتهم أو آبائهم كوسيلة للحصول على الاهتمام الذي يحتاجونه.
إليك بعض النصائح التي قد تساعدك في التعامل مع هذه السلوكيات بشكل إيجابي:
أفضل طريقة للتعامل مع التعلق المفرط هي توفير الاهتمام الإيجابي بشكل مستمر. لا تنتظري حتى يصبح الطفل في حالة من الاضطراب أو التصرفات السلبية لجذب انتباهك. حاولي أن تقدمي له الاهتمام عندما يكون هادئا ومنخرطا في نشاطاته اليومية، مثل اللعب أو الرسم، وامنحيه دعمك في تلك اللحظات.
يعد الحفاظ على روتين ثابت في أوقات النوم، الطعام، واللعب من أفضل الطرق لمساعدة الطفل على الشعور بالأمان. الأطفال لا يدركون مفهوم الوقت بشكل جيد، لكنهم يفهمون التسلسل. لذا من المهم أن يتمتع يومهم بجو من التوقعية والاتساق؛ ما يعزز شعورهم بالاستقرار.
بينما يعتبر التعلق المفرط للطفل تصرفا طبيعيا، إلا أن تحديد حدود واضحة له يساعده على فهم المساحات التي يجب احترامها. إذا شعر الطفل بأن التصاقه بوالديه في كل الوقت لا يعد أمرا مريحا للجميع، من المهم أن تضعي له حدودا تضمن أن يشعر بالراحة والأمان من جهة، وتتيح لك مساحة خاصة من جهة أخرى.
في النهاية، يجب أن ندرك أن التصرفات السلوكية هي دائما شكل من أشكال التواصل. عندما يتمسك الطفل بأحد والديه، فهو لا يفعل ذلك فقط بحثا عن الاهتمام، بل هو وسيلة للتعبير عن احتياجاته العاطفية والنفسية. من ثم، من المهم أن نفهم الرسالة التي يحملها سلوك الطفل، وأن نكون هادئين في الردود على تصرفاته بما يتناسب مع ما يحتاجه.