في عصر التكنولوجيا والاتصال المستمر، يجد الكثير من الأهل أنفسهم منشغلين بأجهزتهم أكثر من أبنائهم.
قد تبدو اللحظات البسيطة من الفراغ فرصة للتواصل مع العالم الرقمي، إلا أنها تفوت علينا فرصاً ذهبية لفهم أنفسنا بشكل أفضل وللتواصل مع أبنائنا بطريقة أعمق.
التربية الواعية تعتمد على مفهوم "اليقظة الذهنية"، وهي الانتباه لما يحدث داخلنا وحولنا دون حكم. وهذا يشمل أربعة محاور رئيسة:
يمكنك ممارسة اليقظة الذهنية وتعليمها لأطفالك عبر عدة طرق منها:
ابحثي عن مكان مريح، وخذي عشرة أنفاس بطيئة وعميقة. ركزي على كل شهيق وزفير. يمكنك مشاركة هذا التمرين مع ابنك عندما يشعر بالقلق أو التوتر.
في أثناء القيام بالأعمال المنزلية مثل غسل الصحون، حاولي التركيز فقط على المهمة. علّمي ابنك أهمية الانغماس في اللحظة الحالية بدلاً من التفكير في المهام القادمة.
بعد يوم طويل، خذي خمس دقائق للجلوس بهدوء دون أي مشتتات. ادعي ابنك للانضمام إليك، وخصصا هذه اللحظات للتحدث عن مشاعركما أو ملاحظة العالم من حولكما.
عندما تمارسين اليقظة الذهنية بانتظام، تُصبحين أكثر قدرة على التعاطف مع مشاعر ابنك. إذا أتى إليك بمشكلة أو شعور صعب، حاولي أن تستمعي إليه دون تقديم حلول مباشرة. بدلًا من ذلك، اعترفي بمشاعره وساعديه على استكشافها بنفسه. هذا النهج يُعزز من ثقته بنفسه ويُظهر له أنك تحترمين تجربته.
ادعي ابنك للمشاركة في أنشطة بسيطة ولكنها عميقة. جرّبي تغيير طريق المدرسة، أو لاحظا معاً تفاصيل الطبيعة مثل الأوراق المتساقطة أو حركة الغيوم. هذه التجارب تقوي العلاقة بينكما وتعلمه قيمة الاستمتاع باللحظة.
تُعرَف "اللحظات البطيئة" بأنها تلك اللحظات التي نكون فيها مع أفكارنا ومشاعرنا بعيداً عن التشتيت الرقمي. لكن عند الاعتياد على التحقق المستمر من البريد الإلكتروني أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، نفقد القدرة على الاستفادة من هذه الفترات للتأمل والتواصل الحقيقي. كما نصبح نموذجاً قد يُقلِّدُه الأبناء في علاقتهم بالتكنولوجيا.
الدكتورة شيري توركل، الباحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تشير في كتابها "استعادة المحادثة" إلى أن غياب تجربة الوحدة قد يجعلنا نربط بين الوحدة والعزلة بشكل سلبي. بدلاً من ذلك، يمكن لهذه اللحظات أن تعزز فهمنا لذواتنا وتعمق علاقاتنا مع الآخرين. إذا لم نعلّم أبناءنا قيمة الوحدة الإيجابية، قد ينشأ لديهم شعور دائم بالاعتماد على التكنولوجيا كوسيلة للهرب من المشاعر غير المريحة.
عندما نواجه مشاعر غير مريحة في لحظات الوحدة، قد يكون من السهل اللجوء إلى الأجهزة لتجنبها. لكن الكاتبة برينيه براون تؤكد أن مستوى سعادتنا مرتبط بمدى استعدادنا لتقبل المشاعر الصعبة. إذا حاولنا تجنب الألم، فقد نحرم أنفسنا أيضاً من تجربة الفرح الحقيقي.
التربية الواعية تدعونا إلى مواجهة هذه المشاعر وتعليم الأبناء كيفية التعامل معها بوعي. عندما نحتضن هذه اللحظات بدلاً من الهروب منها، نُظهر لأبنائنا أن المشاعر ليست شيئًا نخافه، بل جزء من التجربة الإنسانية التي تجعلنا أكثر قوة ومرونة.
في النهاية، التربية الواعية ليست مجرد أسلوب، بل هي فلسفة حياة تُعيد تشكيل علاقتنا بأنفسنا وبأبنائنا. من خلال هذه الممارسات، يمكنك بناء علاقة متينة ومليئة بالثقة مع ابنك؛ ما يساعده على النمو كشخص متوازن وواعٍ بذاته وبالعالم من حوله.