الحياة مع طفل مُشخص بالتوحد مليئة بالألم والحب للأم التي تهتم به وتعيش معه مجريات يومه وتفاصيل حياته.
فرغم قلبه المليء بالحب وضحكاته التي تخطف القلوب في لحظة من شدة تميزه وجاذبيته، إلا أن هناك حالات أخرى تخبئها الأم بغصة في قلبها، وتجعلها في حيرة من أمرها.
فعقل طفل من ذوي التوحد مليء بالخيالات التي تكون جامحة أحيانًا، أو من عالم آخر، وخطرة عليه وعلى إخوته في أوقات معينة. وعلى الأم معرفة جميع هذه التفاصيل وتوقع كل ما يمكن أن يحدث لتتصرف معه بطريقة أفضل.
في هذا الموضوع، ومن أجل مساعدة كل أم لطفل توحد، جمعنا أهم المعلومات التي تحتاجها الأم لتتعامل مع طفلها يومًا بيوم بشكل أكثر سلاسة وتقبلا، بالاستعانة بالأخصائية فاتن مرعشلي والدة محمود المُشخص بالتوحد، والتي أصبحت قدوة وأملًا ومصدر قوة وإلهام لكثير من الأمهات في الوطن العربي.
من المعروف عن طفل التوحد أنه منضبط جدًا في روتينه اليومي، كما أنه قد يتعلق بشيء معين مثل قطعة من الملابس أو لعبة أو بطانية، ولا يقبل أبدًا التنازل عنها وتغييرها، ويُعرف أيضًا بذكائه الحاد في زوايا معينة من الحياة، وذو اهتمامات موحدة ومباشرة، بالإضافة إلى عالمه المنعزل الخاص الذي يصعب عليه فيه إدخال جميع الأشخاص.
التعامل اليومي مع طفل التوحد قد يكون أصعب مما يتخيله الشخص العادي، فالأم معرضة دومًا للأحكام؛ بسبب تصرفات طفلها غير المفهومة لدى الآخرين، كما أنها مضغوطة ببرامج وتوجيهات مجتمع يضع قالبًا موحدًا للأطفال الجيدين. من أجل هذا حاور "موقع فوشيا" الاختصاصية فاتن مرعشلي لتشارك الأمهات إجابات على أكثر الأسئلة شيوعًا للتعامل الصحيح مع طفل التوحد:
طفل التوحد متعلق كثيرًا بروتينه اليومي، لذلك ينزعج جدًا إذا تم تغييره بشكل فجائي، وقد يصاب بنوبة من الغضب والمقاومة، لذلك تنصح فاتن بأن نقدم للطفل برنامج اليوم كاملًا قبل بدء اليوم، حتى يكون مستعدًا لجميع النشاطات المقررة، كما يمكن إخبار الطفل بالمخطط المسبق إذا كان هناك خطة لرحلة أو خروج إلى مكان ما أو استقبال ضيوف معينين. على الأم دائمًا الحرص على تجهيز طفلها لأي مفاجأة محتملة وإعداده لها.
وبحسب حالة الطفل يمكن كتابة البرنامج، أو إخباره إياه بشكل شفهي، وإخباره بالمستجدات والتعديلات دومًا.
يمكن التعامل مع نوبات الغضب حسب الحالة فقط، فيجب التعامل معه على أساس طيفه ودرجة التوحد لديه وحالته الخاصة التي يحللها الاختصاصي الخاص به. وكل طفل له خطته المعيّنة حسب الحالة وما يحب أو يكره، فاتباع خطة الأخصائي للتعامل معه، هو أمر ضروري؛ لأن بعض الأطفال يصلون لمرحلة إيذاء النفس أو الآخرين، فهناك إجراء معين يقدمه الأخصائي حسب حالة الطفل.
حتى نوبات الغضب العادية تعتمد على خطته الخاصة به، ولا يوجد خطط عامة يمكننا توزيعها على جميع أطفال التوحد، لكنا فعلنا ذلك. فلكل طفل توحد حالته الخاصة والفريدة.
تنظيم وقت طفل التوحد مهم جدًا بالنسبة له، كما أنه يساعد الأم على إدخال النشاطات التي ترغب فيها بالتدريج مع الطفل، لذلك من المهم أن تعتمد أداة الكتابة وتقديم برنامج يومي واضح للطفل، بعد أن تتواصل الأم معه حسب مستواه وإدراكه ووضع خطة مكتوبة ومناسبة له بحيث يفهمها ويرسم لها خريطة ذهنية واضحة في عقله.
كل شخص هو حالة فريدة في اضطراب طيف التوحد، لا يوجد علاج يصلح للجميع، لذلك لا يوجد إستراتيجية يمكن تطبيقها على الجميع، فيجب على الأم أن تكون منتبهة لما يحبه طفلها، وتتبع خطط الأخصائي حتى تتمكن من معرفة الأسلوب الأفضل لتشجيع الطفل على تنفيذ أي طلب.
يمكننا التعامل مع الموضوع بالتدريج، يسمى هذا علميًا باسم desensitization، حيث يمكننا أن نخفف من حساسية الملبس بالتدرج وشيئًا فشيئًا؛ لأن بعض الأطفال يرتاحون في قطعة واحدة فقط، وأنا لا أراها مشكلة، ويمكن للأهل تقبلها، لكن الحل هو التدرج أيضا بكل الأحوال.
من المستحيل لأم الطفل المشخص بالتوحد أن تحقق التوازن بين جميع أطفالها؛ لأن طفل التوحد يحتاج اهتمامًا أكثر من غيره بطبيعته؛ لأنه يختلف عن الطفل المستقل، والأم التي تحقق التوازن هي ببساطة "سوبر هيرو"؛ لأن الأمر شبه مستحيل. وعليها تقبل ذلك!
يجب شرح وضع الطفل لإخوته، وتوضيح أعراضه ومستوى إدراكه وطريقة تعامله مع الحياة، كما يجب الاستعانة بمختص نفسي من أجلهم، فلا يكون العبء بالكامل على الأولياء، الأم تحتاج إلى مساعدة حقيقية للتعامل مع إخوة الطفل، وهذا لا يعني بالطبع إهمال الوالدين لدورهم المهم، كما يجب على الأخصائيين المواكبة للتعامل الصحيح.
يتلخص دور الأم هنا في شرح حالة طفل التوحد لإخوته، وشرح احتياجاته الخاصة، بالإضافة إلى تخصيص وقت نوعي للأطفال الآخرين، حتى لو لم يوجد توازن؛ لأنه شبه مستحيل كما قلنا سابقًا، فالحل هو محاولة تفهم مشاعر الأطفال الآخرين واحتوائهم أيضًا.
نستعرض أبرز النصائح والإرشادات المستوحاة من موقع The National Autistic Society لمساعدة الآباء في دعم أطفالهم المصابين بالتوحد.
التواصل مع الطفل المصاب بالتوحد قد يكون تحديًا، ولكنه ركيزة أساسية لفهم احتياجاته. يُنصح باستخدام طرق بسيطة وواضحة عند التحدث مع طفلك:
يمكنك أيضًا طلب المساعدة من مختص في علاج النطق واللغة لتطوير مهارات طفلك، واستكشاف أدوات مثل نظام PECS أو استخدام أساليب مثل Makaton.
يعاني العديد من الأطفال المصابين بالتوحد من القلق نتيجة صعوبة تفسير ما يدور حولهم. لتخفيف هذا القلق:
إذا استمر القلق لفترة طويلة، استشر طبيبك بشأن خيارات مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو جلسات مع مستشارين متخصصين في التوحد.
بعض السلوكيات المرتبطة بالتوحد، مثل التكرار الحركي (stimming) أو فقدان السيطرة (meltdowns)، قد تكون وسيلة للتعبير عن مشاعر الطفل. لتقديم الدعم:
قد يعاني الطفل المصاب بالتوحد من انتقائية الطعام، مثل تفضيل أطعمة معينة أو رفض أخرى. لحل هذه المشكلة:
مشاكل النوم شائعة بين الأطفال المصابين بالتوحد، وقد تكون نتيجة القلق أو الحساسية للضوء. لتحسين جودة النوم:
قد يواجه الأطفال المصابون بالتوحد صعوبة في تكوين صداقات. يمكنك مساعدتهم من خلال:
وفي الختام، على الأم أن تقدر حجم الخصوصية التي تتطلبها رعاية طفل مشخص بالتوحد، والتوقف عن مقارنته بالأطفال المستقلين، فعالمه لا يشبه عالمهم إطلاقًا، وهو يتطلب تفهمًا ومرونة في التعامل مع احتياجاته. بتوفير بيئة هادئة ومحفزة، يمكن لطفلك أن ينمو ويتأقلم مع العالم من حوله بطريقة إيجابية ومستقرة.