تؤمن الكثير من الأمهات بأن حبهن لأطفالهن متساوٍ، وأنهن لا يفرقن بين أبنائهن في المشاعر والعاطفة.
لكن في الواقع، قد تلاحظ بعض العائلات أن هناك تفضيلًا غير معلن لطفل دون غيره، سواء لأسباب شخصية، أو نفسية، أو حتى بسبب الظروف المحيطة.
فهل تحب الأمهات جميع أطفالهن بالدرجة ذاتها فعلًا؟ أو أن هناك عوامل تؤثر في طبيعة العلاقة بين الأم وأبنائها؟
من الناحية النظرية، تحب الأمهات جميع أبنائهن، لكن الحب لا يعني دائمًا المعاملة المتطابقة. فالحب يمكن أن يتجلى بطرق مختلفة، وقد يكون لكل طفل مكانة خاصة في قلب والدته بناءً على شخصيته، واحتياجاته، أو حتى التجارب التي عاشتها معه.
أحيانًا، يكون التفضيل غير واعٍ، حيث تميل الأم إلى الطفل الذي يشبهها أكثر في الشخصية، أو الذي يشاركها الاهتمامات ذاتها، أو حتى ذلك الذي كان أكثر حاجة للرعاية منذ الصغر. في حالات أخرى، قد تلعب الظروف دورًا في هذا التفضيل، كأن يكون أحد الأبناء مريضًا أو يمر بظروف استثنائية تستدعي اهتمامًا مضاعفًا.
يرجع ذلك التفضيل الواضح لأحد الأبناء دون غيره للعديد من الأسباب أهمها:
تميل بعض الأمهات إلى التقرب من الطفل الذي يشبههن في الطباع أو السلوكيات. فالتواصل يصبح أسهل عندما يكون هناك انسجام فكري أو عاطفي بين الطرفين، وذلك قد يُشعر بقية الأبناء بوجود تفضيل واضح.
قد تحتاج بعض الأطفال إلى رعاية واهتمام أكبر بسبب مشاكل صحية، صعوبات دراسية، أو حتى تحديات نفسية كأطفال التوحد أو ذوي الاحتياجات الخاصة. في هذه الحالة، قد تمنح الأم اهتمامًا زائدًا لهذا الطفل، ليس بدافع التفضيل ولكن بحكم الحاجة، وهذا ما قد يولّد شعورًا بعدم المساواة لدى الأبناء الآخرين.
غالبًا ما يكون الطفل البكر محط اهتمام خاص، كونه التجربة الأولى للأمومة، بينما قد يحصل الأصغر سنًّا على معاملة خاصة بسبب كونه "آخر العنقود" والمقرب من الأبوين. أما الابن الأوسط، فقد يشعر أحيانًا بالتجاهل مقارنةً بإخوته.
الطفل الهادئ والمطيع قد يحظى بتقدير الأم أكثر من الطفل المتمرد أو كثير المشاكل، وهو ما قد يخلق انطباعًا بالتفضيل، حتى لو لم يكن ذلك مقصودًا.
شعور الأطفال بعدم المساواة يمكن أن يترك أثرًا عميقًا في علاقاتهم الأسرية، وقد يؤدي إلى:
عندما يشعر أحد الأبناء بأن أخاه يحصل على معاملة مميزة، فقد يؤدي ذلك إلى صراعات وغيرة مستمرة داخل العائلة.
الطفل الذي يشعر بأنه الأقل تفضيلًا قد يعاني انعدام الثقة بالنفس، أو قد يسعى دائمًا لنيل رضا والديه بأي طريقة ممكنة.
في بعض الحالات، قد يؤدي شعور الطفل بالتجاهل إلى تباعد العلاقة بينه وبين والدته، وهو ما يؤثر في الترابط العائلي على المدى الطويل.
بينما يشعر الأطفال بذلك التفضيل على الأم ألا تستسلم للوضع، بل عليها أن تبذل جهودًا في سبيل حماية مشاعر أطفالها عبر:
لا بأس بأن تدرك الأم أنها قد تميل إلى أحد أطفالها أكثر من غيره، لكن الأهم هو كيفية إدارة هذه المشاعر بطريقة لا تؤثر سلبًا في بقية الأبناء.
العدل لا يعني أن يحصل كل طفل على المعاملة ذاتها، بل أن يحصل كل منهم على ما يناسب احتياجاته وظروفه.
تخصيص وقت لكل طفل على حدة، والاستماع إلى مشاعره واهتماماته، يساعد على تقوية العلاقة بين الأم وجميع أبنائها.
حتى لو كانت هناك مشاعر تفضيلية غير واعية، فمن المهم ألا يلاحظها الأبناء حتى لا تؤثر في علاقاتهم ببعضهم البعض.
حب الأم لأبنائها عاطفة لا تخضع لقوانين ثابتة، لكنها تحتاج إلى وعي وإدراك لضمان تحقيق التوازن العاطفي داخل العائلة. قد تكون هناك ميول طبيعية تجاه أحد الأبناء، لكن الأهم هو التعامل بحكمة مع هذه المشاعر، حتى ينشأ كل طفل وهو يشعر بأنه محبوب ومقدر بالقدر ذاته.