إن لحظة اكتشاف أن طفلك مشخص بالتوحد ليست سهلة، هي لحظات مربكة وصادمة للكثيرين، فربما تشعر الأم بأن طفلها ليس كباقي الأطفال، لكن مع ذلك لن تتمكن من الهروب من الشعور المربك الذي يصاحب الأفكار والأسئلة المتزاحمة حول التوحد.
ورغم الحب العميق الذي يكنه الآباء لأبنائهم، فإن مشاعر الحزن والغضب والخوف قد تتسلل إلى قلوبهم، ويبدأ وابل من التساؤلات حول إمكانية توفير الاهتمام الخاص الذي يتطلبه الطفل.
بداية، يجب أن يدرك الآباء أن التوحد ليس حالة نادرة؛ إذ يُقدر أن 1 من كل 54 طفلًا يتم تشخيصه بهذا الاضطراب. لقد ساهمت التدخلات والعلاج المبكر في تحسين حياة العديد من الأطفال المصابين بالتوحد؛ ما يمكنهم من الحصول على حياة مليئة بالمعنى والإنجازات.
كما أن هناك منظمات داعمة ومجموعات مساعدة ومحترفين في مجال الصحة النفسية وأحباء مستعدون لدعمك ودعم طفلك.
في السابق، كان يُشخص التوحد استنادًا إلى أربعة أنواع فرعية، أما الآن فتُقسم إلى ثلاثة مستويات حسب موقع الطبي:
الطفل قادر على استخدام عبارات كاملة، لكنه يواجه صعوبات في تبادل الحديث وفهم الإشارات ولغة الجسد.
يتواصل الطفل بعبارات بسيطة ويظهر سلوكيات متكررة؛ ما يتطلب رعاية ودعمًا كبيرين.
يحتاج الطفل إلى رعاية شاملة، إذ يعاني من صعوبات كبيرة في التواصل، ولا يستطيع التحدث بوضوح، وتكون الأعراض السلوكية أكثر حدة.
بحسب موقع الطبي، لم تُحدد أسباب التوحد بدقة حتى الآن، لكن يُعتقد أنه يرتبط بمشكلات في أجزاء من الدماغ المسؤولة عن معالجة المدخلات الحسية. هناك عدة عوامل قد ترفع من خطر الإصابة به، منها:
يُظهر الذكور معدلات إصابة أعلى بالتوحد، حيث يفوق معدل إصابتهم الإناث بأربع مرات.
وجود أفراد من العائلة مصابين بالتوحد قد يزيد من احتمالية الإصابة لدى الأطفال.
كلما تقدم عمر الأب أو الأم عند إنجاب الطفل، زاد خطر الإصابة بالتوحد.
استخدام بعض الأدوية، أو التعرض لمواد كيميائية، أو إصابة الأم ببعض الأمراض مثل السكري والسمنة أو العدوى الفيروسية، قد تكون عوامل خطر.
الأطفال ذوو الوزن المنخفض عند الولادة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة.
بعض الطفرات الوراثية قد تسهم في زيادة خطر الإصابة.
تُعتبر إحدى الحالات المرتبطة بالتوحد.
التعرض لمستويات مرتفعة من المعادن الثقيلة والسموم البيئية يمكن أن يلعب دورًا في زيادة خطر الإصابة.
عند تلقي التشخيص، يُعتبر التوجه إلى الأطباء المتخصصين واستكشاف خيارات العلاج أمرًا بالغ الأهمية. يشمل ذلك العلاج السلوكي، وعلاج النطق، والعلاج المهني.
يُنصح أيضًا بالبحث عن مجموعات دعم محلية، حيث يمكن للآباء التفاعل مع من يمرون بتجارب مشابهة، ومشاركة المشاعر والموارد.
تسجيل المواعيد الطبية وتوثيق مراحل تطور الطفل يمكن أن يساعد الوالدين في رسم صورة أوضح عن احتياجات طفلهم. كما يُعتبر التواصل مع الطفل عن طريق القراءة ومشاهدة الفيديوهات التعليمية أمرًا مهمًا، حتى لو بدا أن الطفل لا يهتم.
ومن الضروري أيضًا أن يخصص الآباء وقتًا للاعتناء بأنفسهم؛ لأن الراحة النفسية تساهم في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات.
تربية طفل مصاب بالتوحد قد تكون مصدراً للتوتر الشديد. قد يعاني الآباء من مشاعر الحزن والغضب والقلق، ويرجع ذلك إلى تصرفات الطفل مثل نوبات الغضب أو صعوبات التواصل.
لذا، من المهم أن يتواصل الآباء مع عائلاتهم وأصدقائهم للحصول على الدعم. كما يُنصح بالبحث عن مجموعات الدعم التي توفر فهمًا ومعلومات قيمة.
يتوق كل والد لرؤية طفله يتفاعل بشكل إيجابي مع الآخرين. يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على اكتساب الثقة من خلال توضيح السلوكيات الاجتماعية، ودعمهم في فهم الإيماءات والتعابير الوجهية.
يمكن أيضًا تنظيم مواعيد للعب مع أطفال آخرين؛ ما يتيح للطفل ممارسة المهارات الاجتماعية في بيئة آمنة.
من المهم أن يتحدث الآباء مع أطفالهم عن التوحد بطريقة منفتحة وإيجابية. يمكن أن تساعد هذه المناقشات الطفل في فهم حالته بشكل أفضل؛ ما يعزز ثقته بنفسه.
ينبغي للآباء أيضًا أن يسلطوا الضوء على نقاط القوة لدى الطفل، مثل موهبته في الرسم أو الرياضيات؛ ما يساعده في تقبل نفسه.
يعاني العديد من الآباء من مشاعر الذنب، خاصةً بسبب الاعتقادات القديمة التي تربط التوحد بأساليب التربية. يجب على الآباء أن يتذكروا أن التوحد ليس نتيجة أسلوبهم في التربية، بل هو حالة تتعلق بالجينات والعوامل البيئية. والتعرف على المشاعر هو الخطوة الأولى نحو تخطيها.
قد يؤثر وجود طفل مصاب بالتوحد على العلاقات الزوجية، حيث يمكن أن تزيد الضغوط النفسية من التوتر بين الشريكين. ومع ذلك، يمكن للأزواج الذين يتمتعون بعلاقة قوية تجاوز هذه التحديات. دعم بعضهم البعض وفتح قنوات التواصل هما عاملان أساسيان لتخفيف الضغوط.
يمكن أن يتأثر إخوة الأطفال المصابين بالتوحد بشكل كبير. قد يشعرون بالإهمال أو القلق، ولكن يمكن أن يتعلموا أيضًا التعاطف والتعاون من خلال هذه التجربة. من الضروري توفير الدعم والإيضاحات لهم، حتى يتجاوزوا مشاعر الخوف أو الغضب.
تشير الدراسات إلى أن تكاليف تربية طفل مصاب بالتوحد قد تصل إلى 60,000 دولار سنويًا؛ ما يمثل تحديًا ماليًا كبيرًا للعديد من العائلات. التأمين الصحي غالبًا ما يغطي بعض الخدمات، ولكن ليس دائمًا بما يكفي لتغطية جميع الاحتياجات.
تربية طفل مصاب بالتوحد ليست سهلة، لكنها أيضًا ليست رحلة وحيدة. الدعم المتبادل من الأهل والأصدقاء والمجتمع يمكن أن يخفف من الضغوط ويعزز من جودة الحياة لكل أفراد الأسرة. من المهم أن يتذكر الآباء أن كل طفل فريد، وأن التحديات التي يواجهونها يمكن أن تكون مصدرًا للقوة والنمو.