في كل بيت تقريبا، هناك شخص واحد يعتبر ملجأ عاطفيا لكل من في العائلة، وغالبا ما تحمل الأم هذا الدور، حيث تحمل قوتها العاطفية السعة لتحمل كل الأسرة، بدءا من الزوج الذي ينتظر وجود شريكة تحتوي همومه، إلى أطفال كلمتهم الأولى عندما يتعرضون لأي شيء في الحياة، هي "ماما".
وعلى الرغم مما يحمله الموضوع من جمال وشاعرية، فإن الأم هي الأخرى كيان آخر يحتاج إلى شخص يحتويه ويحتوي همومه، ففي خضم تلك المسؤوليات والاستيعاب اللامتناهي، هناك طاقة محدودة تقف عندها الأم لتشعر بالضياع والتعب والإرهاق المزمن.
في هذا الموضوع نسلط الضوء على دور الأم المحوري والقلب النابض الذي يمنح العائلة توازنها العاطفي واستقرارها النفسي، كما نسلط الضوء على العبء الشديد الذي لا تدركه الكثير من العائلات، وكيف يمكن لها أن توفر بالمقابل بعض الدعم لهذه الأم.
في مجتمع حيث يُشار لتصرفات الأطفال المزعجة إلى الأم، وكأنها المسؤول الوحيد عن ردود فعله كلها، ثم يُشار إليها مرة أخرى عندما يتصرف زوجها بطريقة غير لائقة، ويسهل الحكم على الأم دائما، وحيث تسمح الكثير من الأمهات لهذه الأحكام بأن تخترق حياتها وعاطفتها المستنزفة. يصبح من السهل جدا أن تقبل الأم دورها العاطفي وتحمل العبء الأكبر لضمان الصحة النفسية للأطفال.
في دراسة نُشرت في مجلة "Archives of Women's Mental Health" في يوليو 2024، بعنوان "العمل العقلي المنزلي: التفاوتات بين الجنسين وعواقبها على الصحة النفسية والرفاهية للأمهات"، أشارت إلى أن الأمهات يتحملن الجزء الأكبر من العمل العقلي والعاطفي في المنزل، وهو المسبب الأول في التأثير سلبًا على صحتهن النفسية ورفاهيتهن.
كما أكدت دراسة أخرى أن الأمهات يواجهن تحديات متعددة في محاولتهن الموازنة بين متطلبات الحياة المهنية والأسرية، بعنوان "العبء العقلي للأمهات"، العمل الإدراكي والعاطفي غير المدفوع وغير المعترف به"، والتي نُشرت من قبل منظمة "Make Mothers Matter"، أبرزت أن العمل العاطفي والإدراكي غير المدفوع الذي تقوم به الأمهات غالبًا ما يكون غير معترف به، وهو ما يزيد من الضغوط النفسية عليهن.
وحيث لا يمكننا إنكار الواقع بأن الأم هي المصدر الأول للرعاية النفسية في العائلة، كما لا يمكننا إنكار تأثيرات تلك الضغوط المتزايدة عليها في صحتها النفسية، يمكننا أن نعمل على تحقيق مستوى أفضل من الرفاه للأمهات من أجل توازنهن النفسي عبر استراتيجيات من شأنها تحقيق السعادة الأسرية، حسب ما جاء في دراسة نشرت في مجلة "BMC Pregnancy and Childbirth" في يناير 2025، بعنوان "استراتيجيات التدخل لمنع المشاكل النفسية وتحسين المرونة لدى الوالدين العاملين من الحمل حتى يبلغ الطفل 5 سنوات"، والتي أكدت أن التدخلات الموجهة نحو دعم الصحة النفسية للأمهات يمكن أن تحسن من مرونتهن النفسية وتقلل من مخاطر الاكتئاب والقلق. إليك أفضل الاستراتيجيات:
البداية تبدأ من النفس أولا، فإذا لم تدرك الأم أهمية الرعاية الذاتية لنفسها أولا، وملء كوبها الخاص، فلن تستطيع ملء كوب عائلتها ورعايتهم بالشكل الأفضل، لذلك يجب على الأمهات تخصيص وقت لأنفسهن لممارسة الأنشطة التي تجلب لهن السعادة والاسترخاء، مثل القراءة أو التأمل أو ممارسة الرياضة.
الإنسان بطبعه يحب التواصل الصحي مع الآخرين، فإذا تحوّل تواصل الأم مع عائلتها إلى مجرد مقدم للرعاية المادية والعاطفية، فعليها أن تبحث عن مصادر أخرى للتواصل حتى تشعر بالإمتلاء وتتمكن من الحصول على الدعم العاطفي، سواء عبر مجموعات دعم الأمهات أم صديقات.
لا يمكنك الحصول على أي شيء في الحياة إن لم تتعلمي فن الطلب، وكذلك التقدير والدعم العاطفي الذي تحتاجينه من أسرتك، يجب أن تكوني واضحة حول حدود قدرتك، سواء مع زوجك أم مع أطفالك، يجب أن تتعلمي فن توزيع المسؤوليات على الجميع، ليحصل الجميع على الدعم والراحة وما يحتاجه.
إذا شعرت الأم بأنها تعاني من ضغوط نفسية لا تستطيع التعامل معها بمفردها، فإن الاستشارة مع مختص نفسي يمكن أن يكون خطوة فعالة.
تحمل الأمهات دورًا أساسيًا في الحفاظ على الصحة النفسية للأسرة، وهو ما يضع عليهن عبئًا عاطفيًا كبيرًا. الاعتراف بهذه المسؤولية والسعي لتحقيق التوازن بين تلبية احتياجات الأسرة والاحتياجات الشخصية هو أمر بالغ الأهمية. علينا إدراك هذه الأهمية أولا ثم العمل على تحقيق التوازن النفسي المشروع للجميع عبر بعض الدعم المتبادل بين الأم وأسرتها.