العلاقة بين الأم وطفلها تمر بمراحل متعددة، وتتشكل وفق أسلوب التربية الذي تعتمدينه. البعض يميل إلى الحزم ووضع القواعد الصارمة، بينما تفضّل أخريات أن يكنّ قريبات من أطفالهن كصديقات يشاركنهم كل شيء بلا حدود.
لكن هل يمكن تحقيق توازن صحي بين الصداقة والسلطة في علاقتك بطفلك؟ وكيف يمكنك أن تكوني مصدر حب ودعم، دون أن تفقدي هيبتك كأم؟
في بعض البيوت، قد تنجرف العلاقة إلى أحد طرفي النقيض: إما أم صارمة تُعامل طفلها بسلطة مطلقة، وذلك قد يجعله يخشاها بدلًا من أن يلجأ إليها، أو أم ودودة إلى درجة أنها تفقد قدرتها على فرض أي قواعد، وهو ما يؤدي إلى الفوضى وانعدام الحدود.
الحقيقة أن الأطفال بحاجة إلى بيئة تشعرهم بالاحتواء، ولكن أيضًا إلى قواعد واضحة تمنحهم الشعور بالأمان والاستقرار.
يمكنك تقييم علاقتك بطفلك من خلال ملاحظة ردود أفعاله تجاهك في مواقف معينة:
إذا كان طفلك يشاركك مشاكله دون خوف أو تردد، فهذا مؤشر إيجابي على الثقة المتبادلة بينكما.
إذا كان يخفي عليك أموره الشخصية، أو يلجأ إلى الآخرين بحثًا عن حلول، فقد يكون هناك خلل في التواصل بينكما.
إذا كان طفلك يلتزم بالقوانين التي تضعينها دون الحاجة إلى تكرار التوجيهات باستمرار، فذلك يعني أنك نجحتِ في تحقيق التوازن بين الحزم والمرونة.
إذا كنتِ تجدين صعوبة في جعله يستمع لكِ، أو يلتزم بالقواعد، فقد يكون ذلك بسبب تساهلك المفرط أو عدم وضوح حدود العلاقة.
الأطفال الذين يشعرون بالأمان العاطفي مع أمهاتهم لا يخشون التعبير عن حزنهم أو غضبهم أو فرحهم بحرية.
إذا كان طفلك يخفي مشاعره عنكِ، أو يخشى ردود فعلك، فقد يحتاج إلى مساحة أكبر من التفهّم والاحتواء.
إليك طرق لتوازني بين الحزم والحب في علاقتك مع طفلك.
الحب لا يتعارض مع الحزم. يمكن أن تكوني حنونة ومتفهمة، لكن مع وضع قواعد واضحة، مثلًا، يمكنكِ أن تقولي:
"أحب أنك تستمتع بلعب الفيديو جيم، لكن لديك وقتًا محددًا لذلك حتى لا يؤثر على دراستك".
"أفهم أنك منزعج، لكن لا يمكنك الصراخ بهذه الطريقة. تعالى لنتحدث عما يزعجك".
لا يمكنكِ أن تطلبي من طفلك الالتزام بالقوانين، بينما أنتِ نفسكِ لا تلتزمين بها. إذا كنتِ تريدين منه احترام المواعيد، التزمي بها أنتِ أولًا، إذا كنتِ تريدينه أن يكون صادقًا، لا تكذبي عليه حتى في الأمور الصغيرة. الأطفال يتعلمون من الأفعال أكثر من الكلمات.
لا بأس في أن تشاركي طفلك ألعابه، أو تستمعي إلى أغانيه المفضلة، ولكن تذكري أنك لستِ صديقته التي تطابق اهتماماته تمامًا، بل والدته التي تساعده على النمو والتطور. هذا يعني أن تحافظي على دورك التوجيهي، دون أن تفرضي عليه اهتماماتك الخاصة، أو تتبعيه في كل شيء فقط لكسب ودّه.
عندما يخرق طفلك القواعد، لا تكوني متسامحة لدرجة فقدان السلطة، ولكن في الوقت نفسه، تجنبي العقوبات القاسية أو العشوائية. اجعلي العقوبات مرتبطة بالسلوك نفسه، فمثلًا:
الهدف هو تعليم المسؤولية، وليس إشعاره بالخوف أو الظلم.
عندما يحكي طفلك عن مشاكله، لا تسارعي إلى التوبيخ أو تقديم الحلول فورًا. امنحيه الفرصة ليعبر عن مشاعره، واسأليه عن رأيه في كيفية التصرف. أشعريه بأنه مسموع، ولكن في الوقت ذاته، لا تترددي في إرشاده بلطف إذا كان بحاجة إلى تصحيح سلوكه.
إن التوازن بين الصداقة والسلطة في علاقتك بطفلك ليس سهلًا، ولكنه ضروري لبناء علاقة صحية ومستقرة. طفلك يحتاج إلى الشعور بالأمان والاحتواء، لكنه أيضًا بحاجة إلى توجيه وحدود واضحة تعينه على فهم العالم من حوله. لا تخشي أن تكوني أمًّا عندما يتطلب الأمر، ولا تترددي في أن تكوني صديقة عندما يحتاج إلى دعمك. فالحب الحقيقي لا يعني فقط أن تكوني قريبة، بل أن تكوني أيضًا القائدة التي تساعده على بناء شخصيته بثقة وأمان.