header-banner
تربية الطفل

هل تصنعين مجرما في طفلك دون أن تشعري؟

أمومة
إيمان بونقطة
11 فبراير 2025,12:03 م

هناك خيط رفيع بين تقديم الحب اللامشروط لطفلك والدلال الزائد، فبعض الأمهات تنجرف في التعبير المبالغ فيه عن الحب لطفلها بشتى الأشكال، ما بين الكلمات المشجعة التي تتحول إلى أوهام تزرعها في عقل طفلها ليعتقد أنه الأفضل من الناس جميعهم، إلى الأفعال المباشرة مثل تلبية جميع الطلبات وتقديم المكافآت الفورية على كل فعل بسيط يُصنف ضمن الأفعال الجيدة.

في هذا الموضوع نسلط الضوء على أضرار المبالغة في التعبير عن الحب والاهتمام بطريقة تجعل الطفل أشبه بمعبود الأسرة الذي لا تُرد له طلبات.

واستنادًا إلى قصة مأساوية نُشرت مؤخرًا لشاب دهس شابًّا آخر بالسيارة مرارًا وتكرارًا فقط لأنه قطع عليه الطريق "ما يعرف بجريمة فرايا"، يلفت الانتباه رد فعل والدته التي حاولت إخفاء الجريمة المروعة وتهريب ابنها، حتى لا يدخل إلى السجن. 

سلوك مثل هذا يُظهر تقديسًا مبالغًا فيه للابن الذي وصل به الأمر لحد قتل نفس من أجل إرضاء غروره المصنوع منذ الطفولة، ومع ذلك تُحاول الأم حمايته ظنًّا منها أنه سلوك حب طبيعي للأم. 

وحتى لا تتكرر مثل هذه النماذج، على كل أم أن تعي أن أفكار طفلها حول نفسه هي صانعتها، وأنها الوحيدة القادرة على زرع القيم الجميلة والتواضع والمحبة.

متى يتحول التدليل إلى مشكلة؟

9a98d15d-9fe1-4a67-a085-d34ade1fa10c

تعتقد بعض الأمهات أن تلبية رغبات الطفل فورًا دليل على الحب والاهتمام، كأن تشتري له اللعبة التي يريدها بمجرد أن يطلبها، أو تعطيه الحلوى كلما بكى، أو تتركه يشاهد التلفاز لساعات طويلة حتى لا ينزعج.

لكن هذا الأسلوب قد يرسخ لدى الطفل مفهوم "كل شيء متاح فورًا"، ويجعله غير قادر على تأجيل رغباته أو التعامل مع الإحباط، وهي مهارات ضرورية للنجاح في الحياة.

الطفل الذي يعتاد الحصول على ما يريد دون انتظار، قد يكبر وهو غير قادر على تحمل المسؤولية أو التفكير في العواقب، وهو ما يجعله أكثر عرضة لاتخاذ قرارات متهورة، وقد يصل الأمر به إلى تبني سلوكيات غير قانونية إذا وجد أن تحقيق رغباته يتطلب تجاوز القواعد.

مستقبل الأطفال المدللين.. تجربة المارشميلو

في واحدة من أشهر التجارب التي كشفت تأثير القدرة على تأجيل المكافآت على مستقبل الأطفال هي تجربة "المارشميلو" التي أجراها عالم النفس والتر ميشيل في الستينيات. في هذه التجربة، وُضع الأطفال أمام خيارين: إما تناول قطعة مارشميلو واحدة فورًا، أو الانتظار بضع دقائق للحصول على قطعتين.

هذه التجربة تظهر تأثير سلوك الأمهات اللاتي يدللن أطفالهن عبر الاستجابة السريعة لطلباتهن والإشباع الفوري لرغباتهن، على مصير مستقبل هؤلاء الأطفال.

ما حدث لاحقًا كان مذهلًا، إذ أظهرت المتابعة طويلة الأمد أن الأطفال الذين استطاعوا تأجيل المكافأة، وفضلوا الانتظار حققوا نجاحًا أكاديميًّا ومهنيًّا أفضل، وتمتعوا بصحة نفسية واجتماعية أقوى مقارنة بأولئك الذين لم يتمكنوا من مقاومة الإغراء. هذه النتائج تشير إلى أن القدرة على تأجيل المتعة والالتزام بالقرارات الصائبة، حتى عندما تكون غير مريحة، قد تكون مفتاحًا لحياة أكثر استقرارًا ونجاحًا.

وهو ما يمكن ربطه بتعويد الأم لأطفالها على الصبر، وأن المكافأة تأتي بعد عمل جيد يستحق العناء، لا أن يحصل على كل ما يريد فورًا.

أخبار ذات صلة

عندما يتعرض طفلك لصدمة.. ماذا تفعلين لإنقاذه؟

عندما يصبح الإشباع الفوري مدخلًا للسلوك الإجرامي

أثبتت دراسة أخرى حديثة نُشرت في Proceedings of the National Academy of Sciences أن الأطفال المدللين الذين لا يستطيعون تأجيل المكافآت يكونون أكثر عرضة للانخراط في الجريمة لاحقًا. شملت الدراسة 6,749 صبيًّا سويديًّا، تم اختبارهم في سن 13 عامًا من خلال سؤال بسيط: "هل تفضل الحصول على مبلغ مالي صغير الآن، أم على مبلغ أكبر بعد سنوات؟".

النتائج كشفت أن الأطفال الذين فضلوا المال الفوري كانوا أكثر عرضة للانخراط في جرائم السرقة والاحتيال لاحقًا. حتى بعد ضبط العوامل الاقتصادية والاجتماعية، حيث ظل هذا الارتباط واضحًا، ليُؤكد أن القدرة على تأجيل الإشباع تلعب دورًا مهمًّا في بناء شخصية الفرد، وليس مجرد عامل ثانوي.

53027eaf-67fb-4e6d-a200-e057c39401d4

كيف تساعدين طفلك كأم متزنة في تقديمها للحب؟

إذا كنتِ من الأمهات اللاتي وقعن في ورطة تدليل أطفالهن، فلم يفت الأوان بعد. بدل أن تربطي بين الدلال الزائد والحب اللامشروط، يمكنك تعلم الموازنة ما بين الحب والتقويم الذي هو بالأساس في مصلحة الطفل وبناء شخصيته السوية من خلال:

حددي حدود واضحة

من المهم أن تعلمي طفلك أنه يمكنه الحصول على الحب والرعاية، ولكن يجب أن يتعلم أيضًا أهمية احترام الحدود. إن وجود قواعد واضحة ومرنة يساعد طفلك على فهم المسؤوليات، ويعزز من سلوكه الإيجابي.

تجنبي الاستجابة السريعة لجميع طلبات الطفل

من الطبيعي أن يشعر الطفل بالرغبة في الحصول على كل شيء فورًا، ولكن الاستجابة السريعة لجميع رغباته قد تجعله يعتاد على تحقيق مطالبه بسهولة. حاولي أن تبيني له أهمية الانتظار والصبر أحيانًا.

علمي طفلك تحمل المسؤولية

جزء من التدليل الصحي هو تعليم الطفل أن الحياة لا تقتصر على الأخذ فقط، بل يجب أن يكون قادرًا على تقديم شيء أيضًا. شجعيه على تحمل بعض المسؤوليات البسيطة، مثل ترتيب غرفته أو مساعدتك في إعداد الطعام.

d9ab9cf4-e1fd-41a0-a0fa-6c7c08bae01d

دعيه يشعر بالحب والدعم

التدليل لا يعني تلبية كل رغباته المادية، بل يتجسد في منح الطفل الوقت، الاهتمام والدعم العاطفي. اجعلي من وقت اللعب والمشاركة لحظات مليئة بالحب والحنان.

علمي طفلك أهمية القيم والتواضع

لا تدللي طفلك لدرجة تجعله يشعر بأن العالم يدور حوله فقط. علميه تقدير الآخرين وشرح له أهمية التعاطف والتواضع. هذا سيساعده على بناء شخصيته بشكل سليم.

استخدام المكافآت بشكل معقول

المكافآت مهمة، لكنها يجب أن تُستخدم بشكل مدروس. كافئي طفلك عند تحقيقه لإنجاز ما، لكن تجنبي استخدامها كطريقة رئيسية للحصول على تصرفات جيدة. اجعليها متوازنة مع التقدير والحوافز الأخرى.

احرصي على توازن الحياة الاجتماعية

التدليل قد يكون له تأثير سلبي على تفاعل الطفل مع الآخرين. حاولي تعزيز تفاعلاته مع الأطفال الآخرين في بيئات تعليمية أو اجتماعية، حتى يتعلم كيف يتعامل مع اختلافات الشخصيات والآراء.

كوني قدوة في السلوك

الأطفال غالبًا ما يتبعون تصرفات آبائهم. كوني قدوة لهم في التصرفات الإيجابية مثل ضبط النفس، المسؤولية، وحسن التعامل مع المواقف الصعبة.

أعطيه فرصة للاستقلالية

التدليل الزائد يمكن أن يمنع الطفل من بناء مهاراته في الاعتماد على نفسه. شجعيه على اتخاذ قراراته وتنمية استقلاليته بشكل تدريجي، وهو ما سيزيد ثقته بنفسه.


قد تبدو بعض السلوكيات التربوية البسيطة غير مؤذية، لكنها قد تؤثر في قدرة الطفل على ضبط النفس واتخاذ القرارات الصائبة في المستقبل. الإشباع الفوري للرغبات ليس دائمًا الحل الأفضل، بل قد يكون حجر الأساس لسلوكيات غير مسؤولة لاحقًا. لذلك يبقى الحل دائمًا في التوازن ما بين الحب والانضباط المعتدل.

أخبار ذات صلة

تأثير وجود الحيوانات الأليفة على شخصية طفلك

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo