في هذا العالم المعاصر الذي يفرض ضغوطًا لا تنتهي على الأم، لا شك في أن الإرهاق المستمر هو سمتها الأساسية.
فلا تكاد تجد أمًا مستمتعة بحياتها وبمشاهدة أطفالها يكبرون كما كانت تفعل الأمهات في زمن أقدم.
فضغوطات ومتطلبات العصر الحالي تضع الأم في سجن من المقاييس التي يتوجب عليها إيفاؤها، من نجاحها الشخصي والمهني إلى حسن تربيتها لأطفالها إلى اهتمامها بزوجها، وصولًا إلى متطلبات أشبه بمكنسة طاقة تمتص كل ما لدى الأم من استطاعة.
في هذا الموضوع نقدم لك أسباب هذا الإرهاق المستمر، بالإضافة إلى حلول من شأنها تنبيهك لأهمية الوعي بمدى الضغوطات المفروضة عليك بشكل لا واع، حتى لا تنجرفي فيها، لتكوني تلك الأم المرهقة التي لا طاقة لها حتى لسماع أحاديث طفلها الممتعة.
في هذا العالم المفتوح المتنامي، لا تنتهي المصادر التي تسبب المزيد من الشعور بالإرهاق لدى الأم، أهمها:
أفكار الاستقلالية المفروضة على المرأة العصرية، حيث يتوجب على المرأة العمل والأمومة في الوقت ذاته، وإن كانت لها إيجابيتها وقوتها، إلا أننا لا يمكننا إنكار أنها سبب من أسباب شعور الأم بالضغوط المتزايدة.
العالم المفتوح المصادر ومنصات التواصل الاجتماعي التي تضخ عالمًا من المثاليات المزيفة، حيث تبدأ الأم بمقارنة نفسها بغيرها، فتشعر بالضغط النفسي المتزايد جراء تلك المقارنات.
عدم طلب المساعدة والرغبة في الحصول على إعجاب الآخرين هو سبب آخر لتحمل الأم الكثير من الأعباء؛ لأنها ترغب في أن تلاحق فكرة السوبر مامي غير الواقعية.
الشريك الكسول أو الشريك غير المتفهم هو سبب آخر يجعل الأم مثقلة بالهموم والضغوطات، حيث يُضاف لحملها طفل آخر مدلل بجسد بالغ، يطلب باستمرار الاهتمام والرعاية والخدمة بدل أن يساعد الأم.
العمل المرهق الذي لا يراعي وضع الأم الخاص، بل على العكس يجعلها تركض باستمرار لتثبت أنها كفؤة في وظيفتها، وليست أقل من الرجل وأدائه؛ ما يجعلها تقوم بمهام أكبر حتى من زملائها الرجال، لتثبت لنفسها وللمجتمع أنها تستحق المساواة في الدخل.
نمط الحياة الذي تتبعه بعض الأمهات والمسؤوليات الكثيرة الملقاة على عاتقها يزيد صعوبة مجاراتها لتلك المسؤوليات، حيث يُطلب منها تربية الطفل وإرضاعه واللعب معه وتنظيف المنزل أو العمل كموظفة بدوام كامل، وتحضير وجبات العائلة، وإدارة المنزل بشكل جيد، والاهتمام بنفسها وجمالها والكثير من المتطلبات الأخرى التي تجعلك تتعب بمجرد قراءتها فما بالك بتحقيقها في حياة كل أم.
قلة النوم واضطراباته التي تعانيه معظم الأمهات هو سبب آخر لعدم شعور الأم بالاكتفاء من الراحة، ومن ثم الدخول في دوامة غير منتهية من الإرهاق والاستمرار في أداء المسؤوليات كلها ببطارية غير مشحونة بالكامل.
عدم وجود فترات نقاهة وراحة، خاصة للأم العاملة أو الأم المغتربة يجعلها تنزلق في دوامة الإرهاق بسبب عدم وجود لحظات تشحن فيها طاقتها لتتمكن من الاستمرار بكفاءة جيدة.
والتي لا تُذكر في حياة الأم وكأنها مجرد "دلع"، على الرغم من أنها سبب علمي يجعل الأم تحتاج إلى الراحة في أوقات معينة، حتى تتمكن من العودة إلى حياتها الطبيعية بقية الشهر، ومعظم الأمهات لا يمتلكن رفاهية الراحة في تلك الفترة.
ربما لن نقدم لك في هذا الموضوع حلولًا سحرية من شأنها إنهاء الإرهاق من حياتك، ولكننا قد نتمكن من مساعدتك على فهم هذه المشكلة، ففهمها هو نصف حلها، كما أن الإرهاق شعور نفسي أكثر منه جسدي، والحل يبدأ داخليًا أيضًا، إليك مجموعة من الحلول المقترحة:
اعترفي بحدود إمكانياتك، ولا تنجرفي في فخ المنافسة الشرسة بين الأمهات لتحقيق حلم السوبر مامي، أنت لست كذلك، ولا ترغبين أبدًا بذلك.
وكوني واضحة وجادة بشأنها، إذا كان لديك شريك لا يدعمك ضعيه تحت الأمر الواقع واجعليه يساعدك على بعض الأمور التي يتمكن من فعلها والتخفيف عنك، أو اطلبي مساعدة منزلية إذا كنت امرأة عاملة، فلن تشعري بقيمة عملك إذا كان لا يجلب لك المال الذي يُسقط عنك بعض المسؤوليات.
خصصي لنفسك وقتًا للاسترخاء وللجلوس مع نفسك، حتى وإن كان قبل استيقاظ عائلتك صباحًا، نصف ساعة من سماع موسيقى هادئة مع كوب من مشروبك المفضل والابتعاد تمامًا عن التفكير في مسؤوليات حياتك كافية تمامًا لتشحنك لباقي اليوم.
خذي مبدأ بطارية الطاقة المذكور مرارًا في هذا المقال بشكل جاد، فلا يمكنك الاستمرار ببطارية غير مشحونة، طاقتك مهمة للاستمرار وشحنها أهم من تلك المهمة المستعجلة، تذكري دومًا ذلك، اجلسي، اهدئي، تنفسي، واشحنيها مجددًا.
لا تركضي وراء وهم المثالية، فلا شيء مثاليًّا في هذه الحياة، بل صُممت بالتحديات والسعي المستمر لتحقيق الحياة الجيدة، فلتجعلي مسعاك هو إيجاد الحياة الجيدة لا التطلع للحصول على الحياة المثالية التي يعدك بها تجار الوهم، تقبلي أنك لا تستطيعين مجاراة كل شيء، وكوني مجرد أم وإنسانة عادية واكتفي بذلك.
احصلي على قسط كافٍ من النوم، حتى لو كان على حساب مسؤولية لن ينتهي العالم إذا لم تقومي بها، فنومك ليس مجرد رفاهية هو الآخر، هو ضرورة لتتمكني من الاستيقاظ بنشاط وسعادة من أجل إسعاد أطفالك.
وبالتأكيد هذه بعض النصائح التي من شأنها مساعدتك قليلًا على معرفة أسباب الإرهاق المستمر وتجنبه، وأفضل نصيحة هي أن تدركي أهمية قيمة وجودك الهام في حياة أطفالك، وأهمية سعادتك وراحتك لتتمكني من إسعادهم وتربيتهم بشكل صحي وواع، فالأم السعيدة أطفالها سعداء، والأم المرهقة أطفالها يعانون، فاختاري أي أمٍ تكونين.