قد يبدو من غير المنطقي أن ينجذب بعض الأشخاص مرارًا وتكرارًا إلى علاقات تسبب لهم الأذى العاطفي أو النفسي، ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة شائعة بشكل لافت.
فالكثيرون يجدون أنفسهم في دوامة من التعلق بأشخاص يعاملونهم بجفاء، أو يتسببون لهم بالألم العاطفي، لكنهم رغم ذلك يجدون صعوبة في الانفصال عنهم.
فهل يكمن السبب في الحب ذاته، أم أن هناك عوامل نفسية أعمق تجعلنا أسرى لهذه العلاقات؟.
الإدمان العاطفي هو أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل بعض الأشخاص يجدون صعوبة في الابتعاد عن علاقات مؤذية.
فكما يدمن البعض على النيكوتين أو الكافيين، هناك من يدمن على الشعور العاطفي القوي الذي يولّده التعلق بشخص معين، حتى لو كان هذا الشخص يسبب لهم الألم.
وفقًا لعلم النفس، فإن المشاعر القوية التي يمر بها الإنسان في العلاقات العاطفية السامة تؤدي إلى تحفيز نظام المكافأة في الدماغ، ما يجعل الشخص يعود مجددًا للعلاقة رغم إدراكه لأضرارها.
يرى علماء النفس أن جذور التعلق بالأشخاص المؤذيين قد تمتد إلى الطفولة المبكرة. فالأشخاص الذين نشأوا في بيئات أسرية غير مستقرة، أو تعرضوا للإهمال العاطفي، قد يميلون إلى البحث عن الحب في أماكن خاطئة، ويجدون في العلاقات المضطربة شيئًا مألوفًا.
بمعنى آخر، قد يكون الألم العاطفي مرتبطًا لديهم بالإحساس بالحب والاهتمام، لأن هذا هو النموذج الذي اعتادوا عليه منذ الصغر.
أحيانًا، ينجذب الأشخاص الذين يميلون إلى لعب دور "المنقذ" إلى شركاء يعانون من مشاكل نفسية أو عاطفية، معتقدين أنهم قادرون على تغييرهم أو شفائهم.
هذا النمط السلوكي يُعرف بمتلازمة المنقذ، حيث يشعر الشخص بالمسؤولية تجاه الطرف الآخر، مما يدفعه للبقاء في العلاقة رغم الأذى.
على الجانب الآخر، هناك من يعاني متلازمة الضحية، حيث يجد في الألم العاطفي نوعًا من الإثبات لوجوده أو استحقاقه للحب.
الخطوة الأولى للتحرر من حب الأشخاص الذين يؤذوننا هي الوعي. إدراك أن التعلق بالألم ليس حبًا حقيقيًا، بل هو نمط مكتسب يمكن تغييره، هو المفتاح الأساسي. كما أن بناء تقدير الذات يلعب دورًا جوهريًا في كسر هذه الحلقة، فكلما زاد احترام الشخص لنفسه، قلّ استعداده للبقاء في علاقات تستنزفه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اللجوء إلى العلاج النفسي أو الدعم العاطفي من المقربين يمكن أن يساعد في فهم الأسباب العميقة وراء التعلق العاطفي غير الصحي، والعمل على استبداله بأنماط أكثر صحة.