في عصرٍ يتسم بالإيقاع السريع والتنافس المتزايد، أصبحت جداول الأطفال مليئة بالنشاطات المبرمجة بشكل مفرط.
من دروس الموسيقى إلى تمارين الرياضة والكشافة، يتنقل الأطفال بين هذه الأنشطة وكأنهم مدراء تنفيذيون بجداول مزدحمة. لكن في خضم هذه الفوضى، يتعين على الأهل أن يسألوا أنفسهم: هل يساهم هذا الجدول المحموم في بناء أطفال سعداء وواثقين، أم أنه يُثقلهم ويؤدي إلى الإرهاق والملل؟
في دراسة أعدها خبراء في تربية الأطفال، أُشير إلى أن زيادة الأنشطة المنظمة في حياة الطفل قد تؤدي إلى نتائج عكسية. الدكتور ألفين روزنفيلد، المتخصص في الطب النفسي للأطفال، يؤكد أن الأطفال الذين ينخرطون في هذه النشاطات بشكل مفرط يشعرون بالملل والإرهاق عند وصولهم إلى سن المراهقة.
وبحلول عمر 13 عاماً، يقرر 75% من هؤلاء الأطفال التخلي عن الأنشطة التي بدأوها في سن مبكرة. السبب؟ ببساطة، لم تعد هذه الأنشطة ممتعة لهم؛ بل أصبحت عبئاً.
يرى الدكتور ديفيد إلكيند، أستاذ تطوير الطفل، أن الإكثار من النشاطات المنظمة يحرم الأطفال من فرصة استغلال خيالهم والاعتماد على أنفسهم في قضاء وقتهم.
في المقابل، اللعب الحر وقضاء وقتٍ بمفردهم يساعدهم على بناء شخصية متوازنة؛ لأنهم يتعلمون كيفية التفاعل مع ذاتهم ومعالجة مشاعرهم دون تدخل خارجي مستمر.
يوصي الخبراء بأن تكون الأنشطة للأطفال في مرحلة الابتدائية محدودة، بحيث لا تتجاوز ثلاثة أنشطة أسبوعياً، تشمل الرياضة، والفنون، والنشاطات الاجتماعية مثل الكشافة. ومن المهم أن تكون مدة هذه الأنشطة معقولة، دون أن تستهلك كامل وقت الطفل. فالأطفال في هذا العمر بحاجة إلى وقت للعب الحر والاسترخاء مع العائلة.
يشدد الخبراء على أن العلاقة القوية مع الوالدين أو أي شخص بالغ داعم تُعد العامل الأهم في بناء شخصية الطفل الناجحة. وفقاً لدراسة تابعت خريجي جامعة هارفارد حتى الخمسينيات من أعمارهم، كان العامل المشترك في نجاحهم هو وجود علاقة داعمة في طفولتهم، سواء مع الوالدين أو مع شخص آخر قبلهم كما هم، دون التركيز على إنجازاتهم أو مهاراتهم.
بدلًا من التسرع في قيادة الأطفال من نشاطٍ لآخر، يمكن للأهل الاستفادة من هذا الوقت لقضاء لحظات عائلية ذات قيمة. تناول وجبة العشاء معاً، أو لعب ألعاب بسيطة في الحديقة، قد يكون له أثر أكثر إيجابية من حشو الجداول بالأنشطة. الهدف ليس دائماً تعليم الأطفال مهارات جديدة، بل منحهم شعوراً بالقبول والمحبة.
وفي الختام، العالم مليء بالفرص والأنشطة، لكن لا يمكن للطفل استغلالها جميعاً دفعة واحدة. دعوا أطفالكم يستمتعوا بطفولتهم ويتعلموا من التجارب البسيطة. فالنمو النفسي والتوازن العاطفي هما المفتاح الحقيقي لتكوين شخصيات قوية وسعيدة.