الأمومة حلم جميل تحمله الكثير من النساء في قلوبهن، لكنها في الواقع ليست دائمًا كما تصوّرها الصور المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي.
فخلف الابتسامات الدافئة ولحظات الحب الغامر، تختبئ مشاعر أخرى نادرًا ما تُقال بصوت عالٍ، مثل الإرهاق، الحيرة، الشعور بالذنب، وأحيانًا حتى الندم العابر.
هذه المشاعر المختلطة ليست دليلًا على ضعف الأم أو تقصيرها، بل هي جزء طبيعي من التجربة التي تعيشها كل امرأة تدخل عالم الأمومة.
الأم تحب طفلها بكل كيانها، لكنها في الوقت نفسه قد تشعر بالإرهاق من المسؤوليات المتواصلة. فمنذ اللحظة الأولى التي تحمل فيها طفلها بين ذراعيها، تتغير حياتها بالكامل، ويصبح هناك كائن صغير يعتمد عليها في كل شيء. بين ليالٍ بلا نوم، ومحاولات مستمرة لتهدئة بكاء الطفل، وسعي دائم لتحقيق التوازن بين الأمومة والحياة الشخصية، قد تشعر المرأة وكأنها تفقد جزءًا من هويتها القديمة. هذه المشاعر لا تعني أنها أم سيئة، بل هي انعكاس طبيعي للتحولات العميقة التي تمر بها.
لكن الأصعب من كل ذلك، أن تخفي الأمهات مشاعرهن السلبية، وتتجنب ذكرها حتى مع نفسها أحيانا، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل الأمهات يخفين مشاعرهن، حسب ما ذكرته محللة السلوك المعتمدة من البورد الأمريكي والمستشارة التربوية "ليال أبو سعد" لموقع "فوشيا":
أولا، لنتكلم عن الأسباب التي تجعل الأمهات يخفين هذه المشاعر:
تُمجّد الثقافة المجتمعية صورة الأم المثالية التي لا تتعب ولا تحتاج إلى راحة، وهو ما يفرض ضغطًا كبيرًا على الأمهات. أي تعبير عن الإرهاق قد يُفسَّر على أنه ضعف أو أنانية، وذلك يدفع الأم إلى إنكار احتياجاتها الشخصية خوفًا من انتقادات المجتمع.
تشعر الأمهات أحيانًا أن أخذ وقت لأنفسهن يعني تقصيرًا في حب أطفالهن. هذه الفكرة ناتجة عن صورة مثالية للأمومة رسختها التربية والمجتمع، لكنها غير واقعية. الحقيقة أن الأم لا يمكنها العطاء بشكل متوازن دون أن تهتم بنفسها.
وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر الأمومة بصورة مثالية يصعب تحقيقها، ويجعل الأمهات يقارنّ أنفسهن بالآخرين ويشعرن بأنهن لا يبذلن ما يكفي. من المهم إدراك أن هذه الصور لا تعكس الواقع، فالأمومة مليئة بالتحديات الطبيعية التي لا تظهر على الشاشات.
تشعر بعض الأمهات بأنهن وحدهن في هذه الرحلة، دون دعم كافٍ من العائلة أو الأصدقاء. عدم وجود من يساندها قد يزيد الضغط النفسي، لذا من الضروري أن تبحث عن شبكة دعم تساعدها على مشاركة تجاربها والشعور بأنها ليست وحدها.
تشير ليال إلى أن هناك خطوات تُمكن الأم من تقبل هذه المشاعر والتعايش معها دون ضغوط تؤذي نفسيتها:
الأمهات بحاجة إلى إدراك أن الشعور بالتعب أو الحاجة للوقت الشخصي لا يتعارض مع الحب والرعاية أبدا إنما هو احساس طبيعي. فهذه المشاعر دليل على إنسانيتها، وليست عيبًا أو تقصيرًا.
مشاركة المشاعر مع أمهات يمررن بتجارب مماثلة يساعد على تخفيف الضغوط، وهناك اليوم مجموعات دعم عديدة توفر بيئة مناسبة لتشارك تجارب الأمومة وتحدياتها.
الاستراحة ليست رفاهية، بل ضرورة. تخصيص وقت للنشاطات الشخصية، حتى لو كان بسيطًا، يساعد الأم على تجديد طاقتها والعودة لرعاية أطفالها بحب أكبر.
طلب الدعم ليس ضعفًا، بل خطوة ذكية لتخفيف الضغط. يمكن للشريك أو العائلة المساهمة في رعاية الأطفال، ومنح الأم مساحة شخصية ضرورية.
استخدام هذه المشاعر كفرصة لفهم الذات أكثر وتحديد الاحتياجات. على سبيل المثال، إذا شعرت الأم بالإرهاق، فهذا مؤشر على أنها بحاجة لإعادة تنظيم وقتها.
وكرسالة أخيرة للأمهات تدعو ليال أبو سعد إلى تقبّل أن الأمومة رحلة مليئة بالتحديات والمشاعر المختلطة. لا تجعلي الشعور بالذنب يسيطر عليكِ. أنتِ إنسانة قبل أن تكوني أمًا، واحتياجاتكِ النفسية والجسدية لها قيمة كبيرة. التوازن بين العطاء لنفسكِ ولأطفالكِ هو مفتاح النجاح في رحلتكِ كأم.