قبل أن ينطق الطفل بأولى كلماته، يكون العالم من حوله مليئاً بالإشارات الصامتة التي تحتاج إلى من يفهمها. نظرات عينيه، ارتجافات شفتيه، وحركات يديه البسيطة تحمل بين طياتها مشاعر جياشة لا يستطيع التعبير عنها بالكلمات.
هنا يأتي دور الذكاء العاطفي، الذي يمنح الأهل القدرة على فك شفرة هذه الإشارات والاستجابة لها بحب ووعي، حتى يتمكنا من مساعدة الطفل على الشعور بالأمان والثقة، ويجعل العلاقة بينه وبين والديه أكثر دفئاً وعمقاً.
الذكاء العاطفي هو القدرة على التعرف على مشاعر الآخرين وفهمها والتفاعل معها بفعالية. عند تطبيقه في التربية، يصبح الأهل أكثر وعياً بمشاعر أطفالهم، وبالتالي الاستجابة بطريقة تلبي احتياجاتهم العاطفية قبل أن يتمكنوا من التعبير عنها بالكلمات. إليك الطرق التي تمكن الأهل من فهم مشاعر الطفل قبل أن يتحدث:
يبدي الأطفال مشاعرهم من خلال تعابير وجوههم وحركات أجسادهم. الابتسامة العريضة قد تعني الراحة والسعادة، بينما تعابير الوجه المتجهمة أو شد الأيدي قد تشير إلى القلق أو الانزعاج. مراقبة هذه العلامات تساعد الأهل على فهم ما يشعر به الطفل دون الحاجة للكلمات.
لا يكون كل بكاء للطفل متشابهاً؛ فهناك بكاء الجوع، وبكاء التعب، وبكاء الألم، ولكل منها نغمة مختلفة. عندما يعتاد الأهل على التمييز بين هذه الأنواع، يصبحون أكثر قدرة على تلبية احتياجات طفلهم بسرعة وفاعلية.
الطفل يعبر عن مشاعره من خلال سلوكه. إذا أصبح أكثر تعلقاً بوالديه فجأة، فقد يكون بحاجة إلى الشعور بالأمان. إذا تجنب اللعب مع الآخرين، فقد يكون يشعر بالخجل أو القلق. مراقبة هذه التغيرات تتيح للأهل التدخل بحكمة لمساعدته على التعامل مع مشاعره.
بدلاً من تجاهل مشاعر الطفل أو التقليل منها، يحتاج إلى الشعور بأن مشاعره مفهومة ومقبولة. على سبيل المثال، إذا كان الطفل غاضباً بسبب لعبة مكسورة، بدلاً من قول "لا داعي للغضب"، يمكن للأهل قول: "أرى أنك مستاء لأن لعبتك انكسرت، هذا أمر محزن". هذه الطريقة تعزز ثقته بمشاعره وتساعده على تطوير مهاراته العاطفية.
بمجرد أن يبدأ الطفل في الكلام، يمكن للأهل مساعدته على تطوير ذكائه العاطفي من خلال تعليمه أسماء المشاعر. على سبيل المثال، قول "أنت تبدو سعيدًا جدًا لأنك أنهيت رسمتك" أو "أرى أنك غاضب لأننا لم نخرج اليوم". مع مرور الوقت، سيتعلم الطفل التعبير عن مشاعره بالكلمات بدلاً من السلوكات غير المرغوبة.
عندما يشعر الطفل بأن مشاعره مفهومة، يصبح أكثر قدرة على التعبير عنها بثقة.
يسهل على الطفل التحدث عن مشاعره، مما يقلل من نوبات الغضب والانفعالات غير المبررة.
يساعد الطفل على التعامل مع التحديات بطريقة صحية بدلاً من اللجوء إلى الانعزال أو السلوك العدواني.
عندما يرى الطفل أن والديه يفهمون مشاعره، يتعلم بدوره كيف يكون متعاطفًا مع الآخرين.
التربية بالذكاء العاطفي لا تعني فقط فهم مشاعر الطفل، بل تعني أيضًا منحه الأدوات اللازمة ليصبح شخصًا قادرًا على التعبير عن نفسه بثقة واحترام. عندما يدرك الأهل أهمية التواصل العاطفي، يصبحون أكثر قدرة على دعم أطفالهم في كل مرحلة من مراحل نموهم، مما يخلق بيئة أسرية مليئة بالفهم والمحبة.