يعاني الكثير من الأشخاص صعوبة في اتخاذ القرارات، خاصة عندما تكون هذه الحيرة مزمنة، وتؤثر في حياتهم اليومية.
هذا التردد لا ينشأ من فراغ، بل يرتبط بأنماط تفكير مضطربة وشكوك شديدة بالنفس، كما ذكرت مجلة Psychology Today.
الحيرة في اتخاذ القرارات قد تبدو كمعضلة شائعة تواجه الكثيرين، لكنها غالبًا ما تنبع من الداخل. لفهم هذه الظاهرة بعمق، سنستعرض أبرز أسبابها:
غالباً ما يكون التفكير في الحياة كأنها أبيض أو أسود هو المحرك الأساس لهذا التردد، وهو نمط تفكير يجعل الشخص يرى الأمور بشكل حازم، دون وجود مساحة للمرونة. هذا النمط شائع لدى الأشخاص ذوي الشخصية القهرية الوسواسية، حيث يكون البحث عن اليقين عبئاً دائماً.
بالنسبة لهؤلاء، ليس من المستحيل العثور على إجابات واضحة، ولكنهم يشعرون بأنهم غير قادرين على الوصول إليها بمفردهم؛ ما يضيف ضغطاً إضافياً.
الأشخاص الذين يسعون للمثالية، ويضعون معايير عالية لأنفسهم، غالباً ما يخشون اتخاذ قرارات خاطئة تؤدي إلى انتقادات أو عقاب. هذا الخوف يعزز لديهم الشعور بأنهم في سباق دائم لإرضاء الآخرين. حتى عند حصولهم على الإشادة، فإنها تجلب لهم شعوراً مؤقتاً بالأمان عوضاً عن السعادة، لأنهم يخشون أن يتبعها حكم قاسٍ في المستقبل.
تشير الدراسات إلى أن العديد من الأشخاص الذين يسعون للمثالية نشؤوا في بيئات أسرية قاسية، حيث كان الآباء يربطون بين الأخطاء واللوم المستمر. في مثل هذه البيئات، يتحول الشعور بالمسؤولية إلى عبء كبير، ما يجعل الشخص يشعر بأن كل قرار يجب أن يكون مثالياً لتجنب الانتقاد أو الشعور بالعار.
التعامل مع الحيرة في اتخاذ القرارات يتطلب فهم جذورها والاعتراف بمخاوفنا، ثم تبني أساليب تساعدنا على التفكير بوضوح واتخاذ خطوات واثقة نحو الحلول. إليك بعضها:
أحد أهم المفاهيم التي يجب على الذين يسعون إلى المثالية تعلمها هو قبول فكرة أنهم بشر، وأن الخطأ جزء طبيعي من الحياة. فإن تقبل كونك "عادياً" هو بداية الطريق للتغلب على الحيرة. العاديون ليسوا مطالبين بأن يكونوا الأفضل دائماً، ويمكنهم الاسترخاء ورفض تحمل مسؤوليات تفوق طاقتهم.
عندما يشعر الشخص بالشك في قراراته، يمكنه أن يسأل نفسه أسئلة مثل:
التجربة هي الحل الأمثل لكسر هذا النمط. على الشخص أن يتخذ قرارات صغيرة والانفتاح لمراقبة نتائجها دون خوف.
إن تحقيق اليقين التام مستحيل، لكن التعلم من القرارات السابقة يمكن أن يساعد الشخص على اكتساب الثقة. التجربة تتيح للساعين نحو المثالية فرصة لرؤية أن العالم لا ينتهي عند اتخاذ قرار خاطئ، وأن معظم الناس لا يهتمون بقراراتهم بقدر ما يظنون.
التفكير في النتائج السلبية قد يعيق التقدم، بينما يمكن أن يساعد التركيز على الحاضر على تقليل التوتر. الأشخاص الناجحون لا ينجحون؛ لأنهم لا يخطئون، بل لأنهم يتعلمون من أخطائهم ويواصلون المحاولة.
وكرسالة أخيرة، فلا يمكن أن تكون الحياة خالية تماماً من النقد، ولا يمكن أن نحقق الكمال دائماً. ولكن يمكننا أن نتعلم كيف نكون أقل قسوة على أنفسنا، وأن نتقبل فكرة أن القرارات ليست دائماً صحيحة أو خاطئة بشكل مطلق. التوازن بين التفكير العقلاني والثقة بالنفس هو المفتاح للخروج من دوامة الحيرة والتردد.