السعي للكمال يبدو للوهلة الأولى ميزة إيجابية، لكنه غالبًا ما يخفي وراءه قلقًا عميقًا وخوفًا من الفشل.
ووفقًا للدكتور توماس غرينسبون، المختص في دراسة الكمالية، فإن الكمالية ليست مرضًا بحد ذاتها، بل هي عرض لأزمة داخلية تتمثل في القلق والتوتر.
في الواقع، السعي للكمال يثقل كاهل الشخص بأعباء الشك والتردد، ما يعيقه عن إكمال مهامه واتخاذ قراراته بثقة.
للتخلص من هذه العادة، يمكننا اتباع ثلاث طرق فعّالة لإعادة التفكير في الكمالية وتحقيق التوازن.
ما السبب الحقيقي وراء الكمالية؟ ربما يكون رغبة عميقة في إثبات الذات أمام الآخرين، أو هربًا من مشاعر العار أو الحكم السلبي. وقد يكون الأمر مرتبطًا بمحاولة إرضاء صوت داخلي ناقد، تعلمنا الإصغاء إليه منذ الطفولة. ومع مرور الوقت، تتحول الكمالية إلى عادة مريحة نلجأ إليها، رغم تأثيرها السلبي على حياتنا.
لتكون مثاليًا، هناك دائمًا أفكار سلبية تدفعك إلى ذلك. هذه الأفكار قد تكون ناجمة عن مواقف سابقة أو عن صوت داخلي يردد عبارات ناقدة.
قد تسمع داخلك جملًا مثل: "إن لم أعمل بنسبة 110%، سأفقد وظيفتي"، أو "لا يمكنني أن أرتكب أي خطأ؛ لأنه يثبت أنني شخص فاشل".
لتخفيف تأثير هذا الناقد الداخلي، عليك التعرف عليه أولًا: من أين يأتي؟ هل هو صوتك أم صوت شخص آخر؟ بمجرد التعرف على هذه الأفكار، يمكنك مواجهتها. كما تقول أخصائية القلق أليس بويز، فإن الكمالية غالبًا ما تكون وسيلة لحماية الذات من الألم. لكن الحقيقة هي أن الفشل أو عدم التميز في كل شيء ليس تهديدًا لك.
حاول ممارسة التعاطف مع ذاتك. عندما تفشل أو تتردد، ذكّر نفسك بأنه من الطبيعي أن تواجه الصعوبات. لا بأس أن تكون "عادياً" في بعض الأحيان.
بدلًا من وضع أهداف مبالغ فيها، جرب أن تحدد أهدافًا "كافية". هذا النهج يعتمد على بذل الجهد المناسب دون استنزاف عاطفي أو جسدي. كما توضح الكاتبة سالي كيمبتون، الجهد المناسب يعني القيام بما هو ضروري دون صراع داخلي.
للتدرب على هذا، ابدأ بمهام خارج العمل. على سبيل المثال، قلل مدة التمارين الرياضية اليومية إذا كنت تعتمد على التدريب المكثف. ستلاحظ أنك لا تزال تحقق نتائج جيدة، مع تقليل الإجهاد.
قد تشعر بالبداية وكأنك تفشل، لكن هذا الإحساس مؤقت. بمرور الوقت، ستجد أن التخفيف من القلق الزائد يتيح لك فرصة للاستمتاع بحياة متوازنة وأكثر صحة.
وختامًا، فإن السعي إلى الكمال ليس بالضرورة ميزة إيجابية. بل قد يكون عائقًا يمنعك من التقدم والاستمتاع بحياتك. عبر إيجاد دافعك الحقيقي، والتصالح مع الناقد الداخلي، ووضع أهداف واقعية، يمكنك التخلص من هذه العادة وتحقيق التوازن الذي تسعى إليه. فلا بأس أن تكون أقل من مثالي في بعض الأحيان، لأن الحياة الكاملة ليست في الكمال، بل في التوازن.