تجد الأم نفسها بشكل لا إرادي تقارن سلوكيات طفلها التي استفزتها بأطفال آخرين، ظنًا منها أنها بذلك تقنعه عن العدول عن هذا السلوك، أو تدفعه لتقليد الطفل الآخر، سواء كان من بين إخوته أم أصدقائه.
لكن ما قد لا تعلمه الأم، أن مثل هذه الطريقة تضر أكثر ما تنفع، والمقارنة يمكن أن تكون السبب في تدمير شخصية طفلك وثقته بنفسه، لا تربيته على فهم السلوكيات الصحيحة.
في هذا الموضوع نسلط الضوء على خطورة المقارنات وتأثيراتها السلبية على طفلك.
في البداية، يجب أن نعلم أن كل طفل يحمل عالمه الخاص، ويمتلك قدراته ومهاراته التي تميزه عن غيره، فعندما نقارن الطفل بآخر، سواء كان أخًا أم صديقًا، فإننا نزرع بذور الشك في قلبه، يعتقد الطفل في تلك اللحظة أنه غير كافٍ، أو أن هناك خللًا في شخصيته، وهذا ما سينعكس سلبًا على ثقته بنفسه.
تبدأ تلك المقارنات غالبًا برسائل غير مباشرة: لماذا لا تكون مثل أخيك؟ أو صديقتك أفضل منك في هذا الموضوع، هذه الكلمات قد تبدو بريئة أو حافزًا في البداية، لكن تأثيرها العميق على الطفل قد يدوم طويلًا، فبدلًا من تعزيز الثقة بالنفس، تعمل على ترسيخ الشعور بالعجز والمقارنة الدائمة مع الآخرين.
المقارنة الدائمة التي يستقبلها الطفل قد تكون سببًا للعديد من المشاعر السلبية التي قد تلازم طفلك إلى أن يكبر، إليك أهمها:
قد يخلق هذا النوع من المقارنات لدى الطفل شعورًا دائمًا بالقلق والتوتر، وقد يتساءل دائمًا إذا كان كافيًا أو ما إذا كان يحقق توقعات الآخرين، الأمر الذي قد يسبب له صعوبة في الاستمتاع بالأشياء التي يحبها.
كل مقارنة تُسهم في زرع بذور الشك، وتؤدي إلى تدني تقدير الطفل لذاته، فبدلًا من الشعور بالفخر بإنجازاته، قد يشعر بعدم القدرة على تلبية المعايير المفروضة عليه.
المقارنات قد تخلق أجواء من العداء والحسد بين الأطفال، فقد يترسخ في ذهنهم أن المحبة والتقدير يتوقفان على التفوق في مجالات معينة، مثل الدراسة أو الرياضة، ما يهدد العلاقة الطبيعية بين الأشقاء.
في الحالات الأكثر تطورًا، قد يؤدي هذا النوع من المقارنة إلى رفض الطفل لذاته، خاصةً إذا كان يعاني شعورًا مستمرًا بأنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب، هذا قد يدفعه إلى الانسحاب الاجتماعي أو تدهور حالته النفسية.
لا بد أنك تشعرين الآن بنوع من الأسى والحزن على كل لحظات المقارنة السابقة، لكن لا تقلقي، فمن شأن السلوك العكسي أن يزرع في طفلك قيمًا جديدة وجميلة يمكنك زرعها من خلال:
اعتمدي على مبدأ أن كل طفل له قيمته وفرادته، اجتهدي في اكتشاف مميزاته وقدراته الخاصة وتقديرها بدلًا من مقارنة هذه المميزات بغيره، فكل طفل يعبر عن نفسه بطريقة مختلفة، ولديه سماته الفريدة التي تجعله مميزًا.
قيمي طفلك بناءً على من هو، وليس بناءً على أدائه أو إنجازه، أظهري له محبتك ودعمك غير المشروط، وأكدي له أنه محبوب لمجرد كونه هو، وليس بسبب ما يحققه.
بدلًا من أن تركزي على مقارنة نتائج الأطفال، ابدئي بتشجيعهم على بذل الجهد والتركيز على تطورهم الذاتي، فهذا يعزز من شعورهم بالإنجاز والرضا عن أنفسهم.
بدلًا من إخبار الطفل بأن شخصًا آخر أفضل منه، استخدمي التوجيه الإيجابي لرفع معنوياته، قولي له: "أنت تقوم بعمل رائع، وإذا كنت ترغب في تحسين مهارتك في هذا المجال، يمكننا معًا العمل على ذلك".
خصصي وقتًا للاحتفال بإنجازات كل طفل على حدة، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، تأكدي من أنك تُظهرين تقديرك لهم كأفراد مستقليّن، وليس كأجزاء ضمن معادلة مقارنة.
أطفالنا هم انعكاس لعالمنا الداخلي، وهم بحاجة إلى البيئة التي تقدرهم كما هم، المقارنة بين الأطفال قد تكون أقسى من أي نوع آخر من الانتقادات، فبدلًا من أن نزرع فيهم بذور المنافسة غير الصحية، دعونا نعزز فيهم بذور الحب والثقة بالنفس، عندما يشعر الأطفال بأنهم مقبولون بسلامة دون مقارنة مع الآخرين، سيكتشفون في النهاية إمكانياتهم الحقيقية، ويتقبلون أنفسهم بشكل كامل.
إن تربية الأطفال تتطلب منا التفهم والاحتواء، بعيدًا عن المقارنات السلبية التي قد تضر بهم على المدى الطويل. لذلك، اجعلوا من الحب والقبول أساسًا في تربية أطفالكم، وامنحوهم الفرصة ليكونوا أنفسهم دون ضغط أو مقارنة.