header-banner
أمومة

تجربة "الوجه الخشب" للأم.. كيف تُدمر الأطفال

أمومة
إيمان بونقطة
28 فبراير 2025,9:00 ص

في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن الاهتمام العلمي بتفاعل الأمهات مع أطفالهن الرضع كبيرًا، إذ كان يُعتقد أن الرضع لا يدركون وجود الأم، أو يتفاعلون معها بطرق ذات معنى.

لكن تجربة "الوجه الخشب" (Still-Face Experiment)، التي أجراها الباحث إدوارد ترونيك وزملاؤه العام 1978، غيّرت هذه الفكرة تمامًا، وأثبتت أن استجابة الأمهات لأطفالهن لها تأثير عميق على تطورهم العاطفي والنفسي، وصولًا إلى تشكيل أنماط التعلق لديهم في المستقبل.

تجربة الوجه الخشب: ماذا يحدث عندما تتوقف الأم عن التفاعل؟

907fe34c-61fe-47bb-bb22-4608875bf372

في هذه التجربة، وُضع الرضيع في مواجهة أمه، التي بدأت بالتفاعل معه من خلال الابتسامة، والتواصل البصري، والأصوات المشجعة.

لكن في لحظة معينة، طُلب من الأم التوقف عن التفاعل تمامًا، والمحافظة على وجه جامد دون أي تعبيرات.

ما حدث بعد ذلك كان مؤثرًا للغاية: بدأ الرضيع بمحاولات مستميتة لاستعادة تفاعل والدته، مبتسمًا، ملوّحًا بيديه، وحتى بإصدار أصوات تعبر عن استيائه.

ومع استمرار عدم استجابة الأم، دخل الطفل في حالة من الإحباط الشديد، انعكست على سلوكياته من خلال التململ، والانكماش في مقعده، وحتى البكاء. وعندما عادت الأم للتفاعل، لم يستجب الطفل فورًا، بل أظهر توجسًا وحذرًا.

أثر التجربة على فهم التطور العاطفي للأطفال

لم يكن تأثير هذه التجربة محصورًا في فهم العلاقة بين الأم والرضيع فقط، بل امتد ليؤكد أهمية الاستجابة العاطفية المنتظمة في السنوات الأولى من عمر الطفل.

فالأطفال الذين يتلقون اهتمامًا وتفاعلًا منتظمًا من أمهاتهم يطورون روابط آمنة تساعدهم على بناء علاقات صحية مستقبلًا، بينما أولئك الذين يواجهون استجابات غير متسقة أو غيابًا مستمرًا للانتباه يكونون أكثر عرضة لأنماط التعلق غير الآمنة، مثل التعلق القلق أو التجنبي.

أخبار ذات صلة

"أبوّة الهيليكوبتر".. نتائج سلبية رغم النوايا الحسنة

ما الذي يعنيه هذا للوالدين؟

تعكس تجربة "الوجه الخشب" أهمية التفاعل العاطفي المستمر بين الأم وطفلها، حيث إن انعدام الاستجابة لفترات طويلة قد يؤثر على قدرة الطفل على بناء الثقة في العلاقات لاحقًا.

ومن هنا، هناك عدة نقاط يمكن للوالدين أخذها بعين الاعتبار:

التفاعل المستمر أساسي للنمو العاطفي

إن تخصيص وقت يومي للتواصل البصري، الحديث مع الطفل، والاستجابة لإشاراته، يعزز من شعوره بالأمان.

التفاوت في الاستجابة قد يكون ضارًا

أحيانًا، يكون الأمر أكثر ضررًا عندما تتأرجح الأم بين الحضور القوي والإهمال العاطفي؛ ما يخلق ارتباكًا لدى الطفل حول مدى إمكانية الاعتماد عليها.

التقنيات التربوية تحتاج إلى مراجعة

بعض أساليب العقاب، مثل التجاهل التام أو ما يُعرف بـ"العقاب بالصمت"، قد يكون لها أثر مشابه لتجربة "الوجه الخشب"؛ ما يدفع الطفل إلى الانسحاب العاطفي بدلًا من التعلم من الموقف.

ما بعد الطفولة: تأثير التجربة على العلاقات المستقبلية

لا يتوقف تأثير هذه التجربة على مرحلة الطفولة فقط، بل يمتد ليؤثر على الطريقة التي يبني بها الأشخاص علاقاتهم العاطفية والاجتماعية في الكبر.

فقد أظهرت دراسات لاحقة أن الأفراد الذين نشأوا في بيئات تفتقر إلى التواصل العاطفي الفعّال غالبًا ما يواجهون صعوبات في الثقة بالآخرين، ويعانون من قلق شديد في العلاقات، أو يتجنبون التعلق العاطفي تمامًا.


تُعتبر تجربة "الوجه الخشب" نقطة تحول في علم نفس الطفولة، حيث أثبتت أن استجابة الأمهات لأطفالهن ليست مجرد تفاعل سطحي، بل هي حجر الأساس في بناء الثقة، والتطور العاطفي، والقدرة على تكوين علاقات صحية في المستقبل. لذا، فإن تقديم الحب، والاهتمام، والاستجابة العاطفية المتسقة ليس شيئًا إضافيًا، بل هو جزء أساسي من رحلة الطفل نحو حياة نفسية مستقرة وسليمة.

أخبار ذات صلة

هل طفلك يراكِ صديقة أم سلطة؟ هكذا تجدين التوازن

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo