في عالمٍ تنافسي سريع الإيقاع، يسعى الآباء لتقديم أفضل الفرص لأطفالهم. لكن عندما تتحول هذه الرغبة إلى هيمنة مفرطة على تفاصيل حياة الأطفال، قد تصبح العناية الزائدة، أو ما يُعرف بـ"أبوّة الهيليكوبتر"، عقبة أمام تطورهم الطبيعي.
يشير مصطلح آباء "الهيليكوبتر" إلى نمط تربوي يتسم بالمراقبة المكثفة والمستمرة لحياة الأطفال، والتدخل في كل صغيرة وكبيرة. الآباء في هذا النمط يشبهون طائرات الهيليكوبتر التي تحوم باستمرار فوق الهدف، جاهزين للتدخل الفوري عند أول إشارة خطر أو مشكلة.
ظهر المصطلح لأول مرة، العام 1990، في كتاب "Parenting with Love and Logic" ليصف آباءً يبالغون في حمايتهم لأبنائهم.
لاحقًا، أصبح المصطلح شائعًا في الأوساط الأكاديمية، خاصة بين مسؤولي القبول الجامعي الذين لاحظوا تدخل الآباء في إجراءات القبول وحتى قرارات أبنائهم الدراسية.
يمكن تصنيف سلوكيات آباء "الهيليكوبتر" إلى 3 أنماط رئيسة:
متابعة دقيقة ليوميات الأطفال، بما في ذلك جداولهم، درجاتهم، وإنجازاتهم.
الدخول في نزاعات الأطفال مع أصدقائهم، زملائهم، أو حتى رؤسائهم.
منع الأطفال من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، أو التعلم من أخطائهم.
الدافع الأساس وراء أبوة "الهيليكوبتر" هو الحب والرغبة في الحماية. يعيش الآباء في عصرٍ مليء بالتحديات، ويشعرون بمسؤولية كبيرة تجاه ضمان نجاح أطفالهم في المستقبل.
لكن هذا النمط المفرط قد يؤدي إلى نتائج عكسية تؤثر على الصحة النفسية للأطفال ونموهم.
أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين نشأوا في ظل أبوة "هيليكوبتر" قد يعانون من مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب. على سبيل المثال:
أظهرت دراسة أجريت، العام 2016، في جامعة سنغافورة الوطنية أن الأطفال الذين تعرضوا لتوقعات عالية وانتقادات مستمرة من آبائهم، يميلون إلى "الكمالية غير التكيفية"، وهي خوف دائم من ارتكاب الأخطاء وشعور مستمر بأن جهودهم غير كافية.
دراسة أخرى شملت 377 طالبًا جامعيًا وجدت أن أبوة "الهيليكوبتر" ترتبط بزيادة أعراض القلق وضعف الأداء الأكاديمي وصعوبة اتخاذ القرارات.
كما أظهرت دراسة نشرت في مجلة "Cognitive Therapy and Research" العام 2017، أن الآباء الذين يتدخلون بشكل زائد قد يساهمون في زيادة القلق الاجتماعي لدى أطفالهم.
وخلال تجربة بحثية، لاحظ العلماء أن آباء الأطفال الذين يعانون من صعوبات اجتماعية كانوا يميلون إلى تقديم المساعدة حتى عندما لم تكن مطلوبة، مما يقلل من اعتماد الطفل على نفسه.
من خلال تدخلهم المستمر، يرسخ الآباء لأطفالهم فكرة أنهم غير قادرين على مواجهة التحديات بمفردهم. وعندما يُترك هؤلاء الأطفال لمواجهة الحياة بدون دعم مباشر، يعانون من صعوبة في حل المشكلات واتخاذ القرارات. هذا يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، وتزايد القلق، وأحيانًا الاكتئاب.
لإعداد الأطفال لحياة مستقلة ومتزنة، يمكن للآباء اتباع هذه النصائح:
التربية ليست مجرد حماية، بل هي أيضًا تعليم الأطفال كيفية الاعتماد على أنفسهم. السماح لهم بالفشل أحيانًا هو جزء أساسي من التعلم. من خلال دعمهم وتشجيعهم على خوض تجاربهم الخاصة، يمكننا بناء جيل قوي وواثق، قادر على مواجهة تحديات الحياة بثبات.