يخلط الكثيرون بين التوحد وطيف التوحد، نظرًا لتشابه الأعراض بينهما، إلا أن الفرق بينهما جوهري، ويؤثر بشكل مباشر على طرق التعامل مع الطفل، سواء في المنزل أم المدرسة أم في أثناء الجلسات العلاجية.
فعندما يُشخَّص طفلك بطيف التوحد، ثم تشيرين إليه على أنه مصاب بالتوحد، قد يُفسِّر الأخصائيون ذلك بشكل مختلف تمامًا، وقد يؤثر في أسلوب التعامل معه وخطة دعمه. فالمسألة لا تتعلق فقط بالمصطلحات، بل بدرجة التعقيد في التشخيص والتفاوت الكبير بين الحالات.
في هذا المقال، نوضح لكِ بالتفصيل الفرق بين "التوحد" و"طيف التوحد"، إلى جانب استعراض العلامات الثلاثين المعتمدة في التشخيص، لمساعدتكِ على فهم الحالة بدقة والاستفسار عنها بوعي أكبر.
التوحد وطيف التوحد مصطلحان يُستخدمان أحيانًا بالتبادل، لكنهما ليسا متماثلين تمامًا. مع التقدم في الأبحاث الطبية والنفسية، أصبح من الضروري التفريق بينهما لفهم طبيعة الاضطراب بشكل دقيق.
يُعد التوحد اضطرابًا نمائيًا عصبيًا محددًا، بينما يُشير طيف التوحد إلى مجموعة واسعة من الأعراض والدرجات التي تشمل التوحد في إطار أوسع.
التوحد هو اضطراب نمائي عصبي يظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، ويؤثر بشكل رئيس على التفاعل الاجتماعي، والتواصل، والسلوكيات النمطية. عادةً ما تظهر أعراضه خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ويُشخَّص بناءً على معايير صارمة تتعلق بضعف التواصل الاجتماعي، وتأخر اللغة، والسلوكيات المقيدة أو المتكررة.
هو مفهوم أوسع يشمل حالات تتراوح من التوحد الشديد إلى الأشكال الخفيفة التي قد لا تؤثر بشكل كبير على الأداء اليومي.
يتضمن الطيف حالات مثل متلازمة أسبرجر، واضطراب النمو الشامل غير المحدد (PDD-NOS).
الأشخاص الذين يُصنَّفون ضمن الطيف قد يكون لديهم مهارات لغوية واجتماعية مختلفة، مع تفاوت في شدة الأعراض.
النطاق: التوحد هو تشخيص محدد، في حين أن طيف التوحد يشمل الاضطرابات جميعها ذات الصلة بدرجات متفاوتة.
شدة الأعراض: في حالات التوحد التقليدي، تكون الأعراض أكثر وضوحًا وتأثيرًا على الحياة اليومية، بينما في الطيف قد تكون الأعراض أخف أو غير ظاهرة بوضوح.
التفاعل الاجتماعي: الأطفال المصابون بالتوحد غالبًا ما يواجهون صعوبة كبيرة في تكوين علاقات اجتماعية، بينما الأشخاص في الطيف قد يتمتعون بقدرة أكبر على التفاعل مع الآخرين، رغم بعض التحديات.
التواصل: في التوحد التقليدي، يكون هناك تأخر في اكتساب اللغة أو انعدامها، أما في الطيف فقد تكون المهارات اللغوية طبيعية أو متقدمة.
السلوكيات المتكررة: الأشخاص المصابون بالتوحد عادةً ما يُظهرون أنماطًا سلوكية صارمة، بينما في الطيف قد تكون السلوكيات النمطية أقل حدة.
تشخيص التوحد وطيف التوحد يعتمد على رصد مجموعة من الأعراض السلوكية والتطورية التي تختلف في شدتها من طفل لآخر.
وقد وضعت المعايير التشخيصية وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، حيث يُعد طيف التوحد حالة ذات نطاق واسع تتدرج من البسيطة إلى الشديدة.
تنقسم هذه الأعراض إلى ثلاث فئات رئيسة:
فيما يلي توضيح لكيفية تقييم درجة التوحد بناءً على الأعراض الظاهرة.
يتم تشخيص الطفل بالتوحد عندما يظهر لديه عدد كبير من الأعراض الثلاثين (غالبًا أكثر من 20 علامة)، وتكون شدتها مرتفعة بحيث تؤثر بشكل واضح على قدرته على التواصل، والتفاعل الاجتماعي، والسلوك اليومي. في هذه الحالة، يكون الطفل بحاجة إلى دعم مكثف ومستمر في مجالات متعددة، مثل التعليم والتأهيل اللغوي والسلوكي.
عندما يظهر لدى الطفل بعض أعراض التوحد، ولكن ليس كلها (عادةً بين 5 إلى 20 عرضًا)، وتكون شدتها متفاوتة بحيث قد يتمكن من التواصل والتفاعل الاجتماعي إلى حد ما، يندرج التشخيص تحت "طيف التوحد". قد يكون لدى الطفل تحديات في بعض الجوانب دون غيرها، وقد يحتاج إلى دعم جزئي أو متخصص، ولكن بدرجة أقل من أولئك الذين لديهم التوحد الكامل.
يعتمد ذلك على:
كلما زاد عدد الأعراض، ارتفعت شدة الحالة.
إذا كان الطفل بحاجة إلى دعم مستمر في جميع نواحي الحياة، يكون التشخيص أقرب إلى التوحد، أما إذا كان لديه استقلالية في بعض المجالات، فقد يكون في نطاق الطيف.
كلما كان الطفل قادرًا على تطوير مهارات لغوية واجتماعية، كان أقرب إلى الطيف وأقل إلى التوحد التقليدي.
باختصار، التوحد هو الشكل الأكثر حدة من الاضطراب، في حين أن طيف التوحد يشمل حالات أكثر تنوعًا في الشدة والاحتياجات.
إذا لاحظتِ وجود عدد من هذه الأعراض لدى طفلكِ، فمن الأفضل استشارة طبيب أطفال متخصص في النمو أو أخصائي نفسي أو أخصائي تخاطب، لإجراء التقييم المناسب ووضع خطة علاجية تتناسب مع احتياجاته.
التشخيص المبكر والتدخل العلاجي يمكن أن يساعد الطفل على تطوير مهاراته وتحسين جودة حياته بشكل كبير.
وعلى الرغم من أن التوحد وطيف التوحد يشتركان في العديد من الجوانب، إلا أن الفرق بينهما يكمن في نطاق وشدة الأعراض. من المهم أن يكون الوالدان والمعلمون والأطباء على دراية بهذه الفروق لفهم احتياجات الأفراد المصابين وتقديم الدعم المناسب لهم، ومساعدتهم على التكيف والاندماج في المجتمع بشكل أفضل.