يُعد الأرق من التحديات اليومية التي تواجه الكثير من الناس في العصر الحديث، إذ أصبح النوم العميق والهادئ هدفًا صعب المنال. وحيث يتحول الليل في بعض الأحيان إلى معركة مستمرة مع الوسادة، لتظل عيوننا مفتوحة رغم كل محاولات الاسترخاء.
اليوم، نجد أنفسنا في دوامة من البحث عن حلول جديدة، بعضها قد يكون مبتكرًا لدرجة أن بعض الاتجاهات أصبحت تسود منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك"Sleepmaxxing" أو "السليب ماكسينغ"، وهو مصطلح يعكس الهوس المتزايد بتحقيق نوم مثالي، من خلال استخدام أدوات وتقنيات مبتكرة، لكن هل حقًا هذه الحلول هي المفتاح للنوم العميق؟
يعتقد البعض أن الأرق مجرد أمر عرضي، ولكن الحقيقة أن تأثيره يمتد ليطال جوانب متعددة من حياتنا اليومية، من تركيزنا وأدائنا العقلي إلى صحتنا النفسية والجسدية.
يمكن أن يكون الأرق ناتجًا عن العديد من الأسباب التي تتراوح بين العوامل النفسية والجسدية. من أبرز الأسباب:
يعد القلق من أكثر العوامل المسببة للأرق، حيث يعاني العديد من الأشخاص من صعوبة في النوم بسبب مشاعر القلق المرتبطة بالعمل، العلاقات، أو القضايا الشخصية.
الاكتئاب، الاضطراب الثنائي القطب، والقلق العام، تعد من الحالات النفسية التي تؤدي إلى اضطراب في النوم.
الأصوات المزعجة، الإضاءة الساطعة، ودرجات الحرارة غير المناسبة في مكان النوم قد تسهم في تقليل جودة النوم.
تناول كميات كبيرة من الكافيين أو الكحول قبل النوم، أو التوجه إلى السرير في أوقات غير منتظمة، يمكن أن يؤثّرا على دورة النوم الطبيعية.
بعض الحالات الطبية مثل الألم المزمن، الربو، أو اضطرابات الجهاز الهضمي قد تساهم في اضطراب النوم.
بعض الأدوية، مثل الأدوية المنبهة أو المهدئات، يمكن أن تؤدي إلى الأرق كأثر جانبي.
الأرق لا يقتصر في التأثير المباشر على النوم فقط، بل يمكن أن يتسبب بمشاكل صحية متعددة، مثل:
يزيد الأرق من احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق، كما يعزز الشعور بالإرهاق المزمن.
قلة النوم تؤثر بشكل مباشر على القدرة على التركيز واتخاذ القرارات، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.
الأرق المزمن قد يساهم بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، السمنة، وداء السكري.
هناك العديد من الإستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التغلب على الأرق، وتحسين جودة النوم. إليك بعض منها:
حاول أن تذهب إلى السرير وتستيقظ في نفس الوقت يوميًا. هذا يساعد على تعزيز الساعة البيولوجية للجسم.
ممارسة تقنيات الاسترخاء، مثل: التأمل، التنفس العميق، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة، يمكن أن تساعد في تهدئة العقل والجسم.
حاول تجنب الكافيين، الكحول، والوجبات الثقيلة قبل النوم. كما يفضل تقليل وقت استخدام الشاشات الإلكترونية، لأنها قد تؤثر على إنتاج هرمون الميلاتونين الذي يساعد على النوم.
تأكد من أن غرفة النوم مظلمة، وهادئة، وذات درجة حرارة مناسبة.
النشاط البدني المعتدل يساعد على تحسين نوعية النوم، لكن يجب تجنب التمرين المكثف قبل النوم مباشرة.
في ظل زيادة الوعي حول أهمية النوم، ظهرت، مؤخرًا، ظاهرة على منصات مثل "تيك توك" تعرف باسم "السليب ماكسينغ". هذه الظاهرة تروج لاستخدام مجموعة من الأدوات والتقنيات المبتكرة لتحسين النوم بشكل أكبر.
واحدة من أبرز هذه الأدوات هي غطاء العين أو ماسك النوم الذي يهدف إلى حجب الضوء المزعج، وتحقيق نوم أعمق وأكثر راحة.
"السليب ماكسينغ" يروج أيضًا لاستخدام أدوات أخرى مثل أجهزة الضوضاء البيضاء، مكملات غذائية مثل الميلاتونين، أو حتى روتين عناية بالبشرة قبل النوم، بهدف "تحقيق النوم المثالي".
على الرغم من الشعبية الكبيرة لهذه الممارسات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الخبراء يحذّرون من أن بعض هذه الأساليب قد تؤدي إلى زيادة القلق حول النوم، مما يفاقم الأرق بدلاً من معالجته.
تعد فكرة استخدام غطاء العين واحدة من الحلول التي يمكن أن تكون مفيدة لبعض الأشخاص، خاصة أولئك الذين يعانون من صعوبة في النوم بسبب الضوء الزائد. لكن يجب أن يتم استخدامها بشكل طبيعي دون أن يتحول إلى "عادة قهرية" يشعر الشخص أنه لا يستطيع النوم دونها، لأن هذا قد يسبب القلق بدلًا من الراحة.
تتعدد النصائح التي يقدمها "السليب ماكسينغ" بشكل كبير، بدءًا من استخدام أجهزة تتبع النوم، وصولاً إلى ممارسة تقنيات مثل شريط التنفس الفموي، أو تناول مكملات غذائية مثل الميلاتونين أو المغنيسيوم. ورغم أن بعض هذه الطرق قد تكون مفيدة للبعض، إلا أن معظم الدراسات حول فعالية هذه الحلول لا تزال غير حاسمة.
ويشير الأطباء إلى أن الاهتمام المفرط بالبيانات المجمعة من هذه الأجهزة مثل مدة النوم أو مراحل النوم، قد يسبب القلق بدلًا من تحسين النوم.
يقول الدكتور جاك سونديرام، أستاذ الطب وأخصائي النوم في جامعة "روتجرز": "إذا أصبح الشخص مهووسًا بالبيانات المتعلقة بنومه، فإن ذلك قد يعزز قلقه ويساهم في معاناته من الأرق".
من بين الممارسات التي يتم الترويج لها في هذا السياق، نجد استخدام أجهزة الضوضاء البيضاء أو البطانيات الثقيلة التي قد تساعد في تحسين الراحة، حيث يعترف بعض الخبراء بأنها قد تكون مفيدة في بعض الحالات. ومع ذلك، لا يوجد إجماع على فعالية العديد من الأساليب الأخرى مثل استخدام الميلاتونين بشكل متقطع، أو ممارسة روتين معين قبل النوم مثل وضع مستحضرات العناية بالبشرة.
وصرح الدكتور نيتون فيرما، المتحدث باسم الأكاديمية الأمريكية لطب النوم، قائلاً: "إذا كانت هذه الأساليب تعمل حقًا، كنت سأكون أول من يتبناها".
يشير الخبراء إلى أن المبالغة في تحسين النوم قد تؤدي إلى حالة نفسية تعرف بـ"الأورثوسومنيا"، وهو اضطراب يتسم بالاهتمام المفرط بتحقيق نوم مثالي. في هذه الحالة، يصبح الشخص متشبثًا بفكرة أن النوم المثالي يتطلب مجموعة من الممارسات أو الأجهزة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم بدلاً من تحسينه.
الأمر ببساطة يتوقف على النية وراء هذه الممارسات. إذا كانت الدوافع هي الاعتقاد بأن هذه التقنيات ضرورية لتحقيق النوم الجيد، فإنها قد تتحول إلى مصدر توتر بدلاً من راحة.
رغم أن عالم "السليب ماكسينغ" قد يبدو مغرياً، إلا أن الخبراء يؤكدون أن هناك خطوات تقليدية ومجربة لتحسين جودة النوم دون الحاجة إلى الانغماس في التقنيات الحديثة. هي الأفضل كخطوة فعالة للتخلص من الأرق، أما في حال استمر الشخص في الشعور بالتعب الدائم أو صعوبة في التركيز خلال النهار، فينصح باستشارة الطبيب.
في الختام، رغم أن "السليب ماكسينغ" قد يثير الفضول، ويقدم حلولاً مبتكرة لبعض الأشخاص، إلا أن الخبراء يجمعون على أن الحلول البسيطة هي الأكثر فاعلية. النوم الجيد لا يعتمد على تقنيات معقدة، بل على الالتزام بالعادات السليمة والروتين الصحي. وإذا كان الشخص يعاني من مشاكل مستمرة في النوم رغم اتباع هذه الأساسيات، فقد يكون من الأفضل استشارة مختص.