تُعد زراعة الأعضاء إحدى أهم الإنجازات الطبية التي أُعيد من خلالها الأمل لحياة العديد من المرضى الذين كانوا يواجهون فشلًا في أعضائهم الحيوية.
وعلى الرغم من العوائد الجسدية والطبية الكبيرة التي تحققها عمليات الزراعة، إلا أن هناك ظاهرة غريبة تجذب الانتباه وتثير الفضول، وهي التغيرات في الشخصية التي يُعتقد أنها تحدث بعد العملية.
تُعزى هذه التغيرات في بعض الأحيان إلى ما يُعرف بـ "الذاكرة الخلوية"، وهو مفهوم يطرح فكرة أن الأعضاء المزروعة قد تحمل آثارًا نفسية أو تجارب مرتبطة بالمتبرع.
تُعتبر الشخصية مزيجًا من الأنماط الثابتة في التفكير، الشعور، والسلوك. وقد أظهرت تقارير من متلقّي الأعضاء وأسرهم حدوث تغييرات ملحوظة في الشخصية بعد إجراء عملية الزراعة.
قد تكون هذه التغيرات بسيطة، مثل تغيّر في التفضيلات والاهتمامات، أو قد تكون عميقة، بحيث تُؤثر على الهوية الشخصية للمستلم.
في بعض الحالات، يصف المتلقون لتلك الأعضاء اكتسابهم لاهتمامات جديدة أو حتى بعض الذكريات التي قد تبدو وكأنها مرتبطة بالمتبرع. هذه الظاهرة أثارت فضول الباحثين، وأدت إلى طرح تساؤلات حول الآلية التي قد تفسر هذه التغيرات.
تتمثل إحدى أبرز الأدلة التي تشير إلى تغيّر الشخصية في القصص الشخصية التي يرويها الأشخاص الذين خضعوا لعمليات زراعة الأعضاء. بعض هذه القصص تروي تغيرات غير متوقعة في تفضيلات المتلقين أو عاداتهم أو حتى في ذاكرتهم.
على سبيل المثال، طفل صغير في الخامسة من عمره استقبل قلب طفل آخر في الثالثة من عمره. وكان الطفل المتلقّي يروي: لقد أعطيتُه اسمًا، أسميه تيمي. كان يتألم عندما وقع، ويحب لعبة باور رينجرز كثيرًا، كما كنت أحبها في الماضي، لكنني لم أعد أحبها الآن.
الغريب في الأمر أن المتبرع كان يُدعى توماس، وكان يحب هذه اللعبة، وكان قد توفي بعد أن سقط وهو يحاول الوصول إلى لعبة كان قد أسقطها على حافة نافذة.
وفي حالة أخرى، أشار متلقّي قلب شاب مراهق قُتل برصاصات في حادث، إلى أنه بدأ في الاستماع لساعات طويلة للموسيقى الكلاسيكية، وهي نوع من الموسيقى لم يكن قد استمع إليها من قبل، ويعتقد أن هذا التغيير في ذوقه ناتج عن وجود تأثير من المتبرع، الذي كان يعزف على آلة الكمان، ويحب هذه الأنواع من الموسيقى.
تسعى بعض النظريات العلمية إلى تفسير هذه التغيرات من خلال فكرة "الذاكرة الخلوية".
وفقًا لهذه الفكرة، قد تحتفظ الخلايا في الأعضاء المزروعة بمعلومات أو "ذكريات" من حياة المتبرع، قد تكون على شكل انطباعات أو تجارب تراكمت في خلاياه.
ورغم أن هذه الفكرة قد تبدو غريبة أو غير منطقية للبعض، إلا أن هناك العديد من الآليات البيولوجية التي قد تفسر هذه الظاهرة بشكل معقول.
تستخدم الخلايا مسارات جزيئية لتخزين المعلومات. على سبيل المثال، البروتينات والإنزيمات التي تشارك في الإشارات الخلوية يمكن أن تحمل "آثارًا" من التفاعلات أو الحالات السابقة؛ ما قد يؤثر في سلوك الخلايا المنقولة إلى الجسم الجديد.
يمكن أن تتسبب التعديلات التي تحدث على الحمض النووي مثل الميثيلة أو الأسيتلة في إضافة نوع من "الذاكرة" داخل الخلايا.
هذه التعديلات يمكن أن تؤثر على التعبير الجيني وقد تساعد في نقل صفات المتبرع إلى المتلقي.
بعض الخلايا مثل خلايا عضلة القلب والخلايا العصبية المعوية تتمتع بخصائص مشابهة لخلايا الدماغ، بما في ذلك القدرة على تخزين وإرسال إشارات.
وهذا يعني أن الأعضاء المزروعة التي تحتوي على هذه الخلايا قد تساهم في التغيرات السلوكية والنفسية للمستقبل.
يتسم جهاز المناعة بذاكرة خاصة، ويمكن أن تتفاعل الخلايا المناعية للمتبرع مع خلايا المتلقي بطريقة تؤثر على سلوكياته أو perceptions، خاصة إذا كانت الخلايا المتبرعة تحمل معلومات عن تجارب أو تفضيلات المتبرع.
بجانب التساؤلات العلمية، تثير فكرة تأثير الأعضاء على شخصية المتلقي العديد من الأسئلة الأخلاقية. هل يجب على المتبرعين أو عائلاتهم أن يتم إبلاغهم بإمكانية حدوث تغييرات في الشخصية؟ وهل يجب على المتلقين أن يُخبروا بتلك الاحتمالات؟ إذا حدثت تغييرات شخصية تتوافق مع صفات المتبرع، فهل سيكون ذلك بمثابة الكشف عن معلومات خاصة وشخصية؟
على الرغم من أن الأبحاث الحالية تشير إلى وجود بعض التغيرات في الشخصية بعد عمليات الزراعة، إلا أن المجال بحاجة إلى مزيد من الدراسات الدقيقة. يمكن أن تُسهم دراسات مستقبلية تهتم بتحليل الشخصية قبل وبعد الزراعة في فهم أفضل للتأثيرات النفسية لهذه العمليات.
من المهم أن يتم استخدام تقنيات متقدمة في علم الوراثة وعلم الأعصاب لاستكشاف الآليات البيولوجية التي قد تفسر هذه الظواهر.
وكخلاصة، فقد تظل فكرة تغيّر الشخصية بعد زراعة الأعضاء موضوعًا مثيرًا للجدل والفضول. في الوقت الذي تبدو فيه الأدلة من القصص الشخصية والدراسات الملاحظة مثيرة، إلا أن البحث العلمي الموثوق والمستفيض ضروري لتحديد ما إذا كانت الذاكرة الخلوية هي المسؤولة عن هذه التغيرات أم أن هناك تفسيرات أخرى. إن فهمنا لهذه الظاهرة قد يساهم في تحسين الرعاية الصحية للمستقبلين للأعضاء، ليشمل ذلك دعمًا نفسيًا يساعدهم على التأقلم مع التغيرات التي قد تطرأ على هويتهم بعد الزراعة.