صدر حديثًا عن دار أقلام عربية بالقاهرة كتاب "الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني" للمفكر الأمريكي جون ديوي، الذي يُعد من أبرز رواد الفلسفة البراغماتية.
ووُلد ديوي في فيرمونت عام 1859، وعاش حتى عام 1952، وكان له دور محوري في تطوير الفلسفة والنظريات التربوية وعلم النفس، فقد قدم مساهمات قيمة تركز على علاقة الفلسفة بالتجربة العملية.
ترجم الكتاب الدكتور محمد لبيب النجيحي الذي ذكر في مقدمته أن ديوي بدأ مسيرته الفكرية في سن مبكرة، إذ التحق بجامعة فيرمونت في سن الخامسة عشرة، ما يعكس نبوغه المبكر.
وبعد تخرجه عام 1879، نشر أول أبحاثه في الفلسفة وحظي بتقدير كبير، ما شجعه على الاستمرار في هذا المجال.
وحصل ديوي على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جونز هوبكنز عام 1884، وهو في سن الخامسة والعشرين، ليبدأ بعدها مسيرته الأكاديمية التي شملت العمل في جامعة ميشيغان وجامعة شيكاغو حيث قاد ثورة في التربية التقدمية.
قدم ديوي في جامعة شيكاغو ثورة تربوية من خلال إنشاء مدرسة تجريبية لتطبيق نظرياته الجديدة في التعليم، التي أظهرت فعالية عملية.
ورغم اعتراض الإدارة الجامعية على هذه التجارب، فإن ديوي لم ييأس، واستمر في العمل الأكاديمي حتى انتقل إلى جامعة كولومبيا في عام 1904، فقد ظل يعمل حتى تقاعده في عام 1930.
كما كان له دور بارز في اتحاد المعلمين بنيويورك، وشارك في تأسيس اتحاد الحريات المدنية للأمريكيين وجمعية أساتذة الجامعات الأمريكيين.
يعد كتاب "الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني" نقطة تحول في فهم العلاقة بين علم النفس والتربية من جهة، والفلسفة من جهة أخرى.
ويرى ديوي أن تفسير السلوك الإنساني بشكل صحيح يتطلب فهمنا للطبيعة الإنسانية وعلاقتها بالعوامل الاجتماعية المحيطة.
وناقش الكتاب العديد من التناقضات بين النظريات التقليدية التي تفسر السلوك البشري، مقدمًا رؤية جديدة تتسم بالعلمية والواقعية.
يرتكز ديوي في فلسفته على فكرة التكيف الواقعي بين الفرد وبيئته المحيطة، مشيرًا إلى أن العادات السلوكية لا يمكن أن تتشكل بمعزل عن بيئة الإنسان.
ويُبرز الكتاب تأثير البيئة في تكوين الشخصية البشرية ويعترض على النظريات الأخلاقية التي تفصل بين الذات والبيئة. ويؤكد ديوي أن الفضائل والرذائل ليست خصائص ذاتية للفرد، بل هي نتاج تفاعله مع القوى البيئية.
وفي إطار مناقشة الأخلاق، يطرح ديوي تساؤلات محورية مثل: هل يمكن عزل الذات عن بيئتها الاجتماعية؟ وهل يمكن مقاومة الشر عن طريق تجاهله؟ يجيب ديوي بالنفي، معتبرًا أن الحياد الأخلاقي غير موجود، وأن مقاومة الشر عن طريق تجاهله هو في الواقع طريقة غير مباشرة لنشره.
ويقدم الكتاب رؤية جديدة ومُعمقة حول العلاقة بين الفلسفة والنفس البشرية، ويُعد إضافة مهمة للمكتبة الفكرية التي تتناول تطور الإنسان وسلوكه في سياق البيئة المحيطة.