كتاب "أرسطو في ثوبه العربي" للباحث د. عمار العساف، الصادر عن دار "أقلام عربية" في القاهرة، يتناول تأثير الفكر الأرسطي على الثقافة العربية في العصر العباسي.
ويسلط الكتاب الضوء على كيفية تأثر العرب بالفلسفة اليونانية، خاصة في مجالات المنطق والجدل، إضافة إلى تصورات أرسطو حول دور الإنسان والحيوان في الكون.
يشير العساف إلى أن أرسطو لم يكن مجهولاً في العالم العربي قبل العصر العباسي، بل كانت هناك صورة أسطورية له تتجاوز حقائقه الفلسفية.
وكان يُنظر إليه كوزير حكيم للإسكندر المقدوني، وارتبطت شخصيته بحكمة ودهاء سياسي؛ ومع بداية العصر العباسي، بدأ الفكر الأرسطي ينتشر في المجتمع العربي بعد ترجمة أعماله، مما جعله يُنظر إليه على أنه حكيم وفيلسوف موسوعي.
توسعت صورة أرسطو في العهد العباسي، وارتفع تأثيره بشكل خاص في فترة حكم الخليفة المأمون، الذي أقرّ المنطق أداة في تحليل القضايا الفقهية.
وكان هذا التوجه مصدر قلق لبعض الفقهاء، مثل الإمام الشافعي، الذي حاول مواجهة هذا التأثير الفلسفي على الفقه الإسلامي. حيث اعتقد الشافعي أن الفقه يجب أن يتخلى عن استناداته إلى المنطق الأرسطي.
تعد مواجهة الجاحظ لأرسطو في كتابه "البيان والتبيين" من أبرز النقاشات الفكرية حول الفيلسوف اليوناني في الثقافة العربية.
الجاحظ كان ناقداً لأسلوب أرسطو، حيث انتقده لعدم اهتمامه بفن البلاغة كما كان الحال مع أفلاطون.
ورغم ذلك، اعترف الجاحظ بعبقرية أرسطو في الفكر العقلي والمنطقي، لكن لم يُثنِه ذلك عن انتقاد أسلوبه الكتابي.
في القرن الرابع الهجري، بدأ الفكر الأرسطي يتغلغل في الأدب العربي، حيث استوعب المفكرون العرب أفكار الفيلسوف اليوناني في مجالات المنطق والفلسفة.
وأصبحت مناظرات الفقهاء والمفكرين العرب مليئة بالاستدلالات المنطقية والأدوات الفكرية التي استلهموها من أرسطو.
كما ازدهرت المناظرات العقلية التي استخدم فيها المتناظرون القياس، ما جعل "التلوين العقلي" علامة مميزة لبلاغة هذه الحلقات.
استفاد كتّاب عرب بارزون من أعمال أرسطو في إثراء نصوصهم الأدبية، كتب التوحيدي عن "الصداقة" متأثراً برؤية أرسطو، كما نقل مسكويه أفكار أرسطو في كتابه "تهذيب الأخلاق"، محاكياً كتاب "الأخلاق" للأرسطي.
هذا التأثر الفكري كان أحد أبرز المظاهر التي ظهرت في الأدب العربي العباسي نتيجة لتوسع التأثير الأرسطي.
كتاب "أرسطو في ثوبه العربي" يعكس كيف أصبح الفيلسوف اليوناني جزءاً لا يتجزأ من الفكر والثقافة العربية في العصر العباسي.
وتأثير أرسطو كان قوياً وملحوظاً في مجالات متعددة، من المنطق إلى الفقه والأدب، مما جعل الفلسفة الأرسطية تظل حية في نقاشات ومؤلفات المفكرين العرب حتى اليوم.