اكتسب الفنان التشكيلي السوري تمام عزام، المقيم في ألمانيا، اهتماماً عالمياً عندما حوّل التصوير الفوتوغرافي الشهير "القبلة" لجوستاف كليمت، إلى رسم على مبنى مدّمر في بلده سوريا.
ومن يتمعن في أعمال عزام، يجده مشغولاً بالفراغ، ومستغرقاً في تأمل الأمكنة، يعيد تشكيلها وتشكيل هويته من خلالها ربما، يحملها معه متنقلاً بين مدينة وأخرى، وبين مرسم وآخر،
وتتنوع أساليب عزام الفنية ما بين الرسم والتصميم الجرافيكي والنحت والأعمال الرقمية، وأخيراً الكولاج، لكن انشغاله بالتعبير عن المكان بقي حاضراً فيها جميعاً، وهذا ما نراه في معرضه الأخير " يوميات" الذي افتتحه أخيراً في غاليري "أيام" بدبي، والذي يكشف لـ"فوشيا" تفاصيله.
* يحتضن معرضك "يوميات" عودتك للعرض في دبي، من خلال "غاليري أيام"، ما الذي يميز هذه التجربة؟
لا يقدّم هذا المعرض موضوعاً محدداً، بل يحتضن تجربة خمس سنوات من خلال مجموعة من الأعمال المنجزة خلال الفترة الماضية، والتي تعبر عن الطريقة التي أعمل بها، أما الموضوع الذي يشغلني دائماً فهو الفراغ؛ فالأمكنة الخاوية تستفزني بالعمق، سواء كانت أبنية عادية أو مدمرة، أو مكانا تم محوه جغرافياً، لهذا أحاول أن أجمع بقايا هذه الأماكن لأعيد إنشاء المكان الذي أتخيله.
*نحن شهود على تأثير الدمار في أعمالك حتى اليوم، هل تعتقد أن هذه الحالة صارت مزمنة عند التشكيلي السوري؟
ربما، أنا أعتبر أن فكرة الدمار التي أعمل عليها أكثر شمولية، بحيث تمثل المشهد العام للدمار، وليس في سوريا فقط، رغم أن سوريا تمثل الذكرى الأولى التي أحملها بداخلي ومشاهداتي للدمار، لكن الدمار للأسف أكبر من الانتماء والهوية.
* انتقلت من سوريا إلى الإمارات، ومن الإمارات إلى ألمانيا، كيف يؤثر الاغتراب على الفنان؟
يؤثر بشكل عميق بلا شك، فأنا أؤمن بأن المكان يؤثر بي ويغيرني ولا أعرف كيف، فأنا لم أكن أعتقد أني عندما أفقد مرسمي في سوريا وأنتقل للعيش في الإمارات، سوف أنتقل للعمل على تقنيات الديجيتال، لكنني عندما خضت التجربة صار هو اللغة التي أستخدمها، كما أن العيش هنا أثّر لونياً على أعمالي في تلك الفترة، حيث خرجت مجموعة الأعمال الرمادية العالقة بالذاكرة، لكن الانتقال إلى ألمانيا فكان مختلفاً، ربما لأني انتقلت إلى قرية، وأنا في الأصل ابن ريف، لهذا أعتقد أن العيش في الطبيعة أنعش ذاكرتي، لهذا لم أستطع مقاومة رغبتي في هذه المحاورة مع الطبيعة، وهكذا بدأت العمل بالكولاج بألوان صريحة جداً، وكان تحدياً كبيراً بالنسبة لي.
* كيف تعّرف النقلة في تجربة الفنان، من أسلوب لآخر؟
أعتقد أنها أشبه بالتنازل عن كل شيء حققه الفنان، وهي أيضاً تحدٍ لدخول مكان جديد، وربما تكون طبعا متقلبا في العمل نفسه يتعلق باستخدام اللغة، عن نفسي لا أحبذ استخدام لغة واحدة فترة طويلة.
* بين كم مرسم تنقلت؟
كان مرسمي في جرمانا بمدينة دمشق هو المرسم المثالي بالنسبة لي، لم أحصل عليه بعدها أبداً، ومازلت أحنّ إليه، فالمرسم بالنسبة لي يعني البيت، كلما انتقلت إلى بيت أنا أبحث عن مرسم أيضاً بالضرورة، وقد تنقلت بين مرسمين في سوريا، ومرسمين في الإمارات، ومرسمين في ألمانيا في منطقة دلمن هورث غير مرسم الجامعة، وفي برلين أيضا تنقلت بين مرسمين.
* كيف توطد علاقتك مع المرسم الجديد؟
أبني جغرافيا المرسم نفسه، دائماً أول شيء أفعله في المرسم هو محاولة إيجاد مكاني فيه، سواء أكان صغيراً أم كبيراً. وأعتبر أن اللوحة هي اللغة الوحيدة التي أملكها، هي لغتي البصرية، لغة صامتة، أشبهها بتقبل الناس للموسيقى الذي يكون دائماً أسهل بلا شك، فمع اللوحة المهمة تكون أصعب.
أنا أسّمي اللوحة نافذة ولا أعتبرها مرآةً للحياة أبداً، وإنما هي مكان جديد، يخلق نوعا من التوازن، لنتمكن من العيش في عالم مختلف، يمكنني أن اعتبر أن لدي دعوة للناس ليقرؤا لغتي، ويشاهدوها، فهي وسيلتي بالتواصل مع البشر، فأنا لا أجيد الكلام عادة، أحاول البحث عن التعبير كثيراً وأفشل، لكنني أشعر وكأني كتبت أو قلت ما أريد في أعمالي، وأجد صعوبة في الحديث عنها.
* هل تدخر رسالة للختام؟
ليست لدي رسالة أبداً، ولا أحب أن أوصل رسالة، بل أفضل أن أخوض في تواصل حقيقي، عندما يحب الناس العمل أشعر بهذا التواصل الإنساني ينتقل إليَّ من أي مكان في العالم، وأشعر بحالة رضا بأني استطعت أن أقوم بتواصل جديد مع الناس، فانا أعمل لأجل نفسي بالدرجة الأولى، لكن العمل عندما يخرج من المرسم بعد أن أضع كل روحي فيه، أحب أن يصل إلى النص، ولست أنجح دائماً في الوصول إلى هذه الحالة، لكنني عندما أنجح فيها أكون سعيداً.