غالبًا ما ننجذب إلى من يشاركوننا الاهتمامات والقيم ذاتها، ظنًا منا أن هذا التشابه هو مفتاح النجاح والاستقرار. لكن في المقابل، هناك من يرى أن وجود اختلافات بين الشريكين قد يكون هو السر الحقيقي لنمو العلاقة واستمرارها.
فهل التشابه هو الضامن الوحيد للسعادة العاطفية، أم أن البحث عن نسخة منا قد يكون فخًا يقودنا إلى الرتابة والملل؟
للإجابة على هذا السؤال، استعان موقع فوشيا برأي الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، التي توضح أن العلاقة العاطفية لا تخضع لنموذج ثابت، بل تعتمد على مدى قدرة الشريكين على تحقيق التوازن بين التشابه والاختلاف.
تؤكد قصقص أن وجود تشابه بين الشريكين في المبادئ الأساسية، مثل القيم الثقافية والاجتماعية، وطريقة التفكير تجاه القضايا الكبرى في الحياة، يساعد في تقليل النزاعات، ويجعل العلاقة أكثر انسجامًا.
فالتماثل في الخطوط الحمراء والمعتقدات الجوهرية يمنح العلاقة نوعًا من الثبات، ويقلل من الخلافات الحادة التي قد تؤدي إلى تصدّعها.
لكن في المقابل، يمكن لهذا التشابه المفرط أن يتحول إلى سيف ذي حدين، حيث يؤدي إلى روتين ممل يفتقر إلى التنوع والتحدي الفكري.
عندما لا يكون هناك اختلافات جوهرية بين الشريكين، تقل الحاجة إلى النقاشات العميقة التي تعزز فهم كل طرف للآخر؛ ما قد يجعل العلاقة تفتقر إلى عنصر النمو والتطور. فالاختلافات تفتح آفاقًا جديدة، ودونها قد تتوقف العلاقة عند نقطة معينة، وتصبح مجرد تكرار للذات.
على الجانب الآخر، يمكن أن يكون الاختلاف بين الشريكين مصدر إلهام وتحفيز، حيث يساهم في تنوع وجهات النظر، ويساعد كل طرف على رؤية الأمور من زوايا جديدة.
تشير لانا قصقص إلى أن وجود اختلافات في طرق التفكير وأساليب حل المشكلات يجعل العلاقة أكثر ديناميكية، إذ يتعلم كل طرف من الآخر طرقًا جديدة للتعامل مع التحديات.
كما أن اختلاف أنماط التفاعل مع الضغوط قد يكون ميزة قوية، حيث يمكن أن يكمل كل طرف الآخر بدلًا من أن ينعكس القلق أو التوتر بالطريقة نفسها على الطرفين.
عندما يكون الشريكان مختلفين، فهذا لا يعني بالضرورة التصادم، بل يمكن لهذا الاختلاف أن يكون عاملًا إيجابيًا يدفع كل منهما إلى التطور، سواء على المستوى الشخصي أو العاطفي.
لكن المفتاح هنا هو كيفية إدارة هذه الاختلافات، بحيث تصبح فرصة للنمو بدلًا من أن تكون مصدرًا للخلاف المستمر.
ترى قصقص أن سر العلاقة الناجحة يكمن في تحقيق توازن صحي بين الأمور المشتركة التي تشكل أساس العلاقة، والاختلافات التي تضيف إليها عنصر الإثارة والنمو. ولتحقيق ذلك، ينصح بالآتي:
تعزيز القواسم المشتركة وجعلها نقطة ارتكاز للعلاقة، بحيث تكون هناك أرضية صلبة من التفاهم والانسجام.
الاحتفاء بالاختلافات بدلاً من محاولة طمسها، فالتنوع يمكن أن يكون مصدر قوة بدلاً من أن يكون تهديدًا.
احترام استقلالية الطرف الآخر، فمن المهم أن يحافظ كل شريك على هويته الخاصة، دون أن يذوب تمامًا في شخصية الآخر.
ممارسة التواصل الفعّال عند مناقشة الاختلافات، بحيث يكون الهدف هو الفهم والتقارب، وليس فرض رأي طرف على الآخر.
تشير قصقص إلى أن المشكلة لا تكمن في التشابه بحد ذاته، بل في التوقعات المسبقة التي تجعل البعض يعتقدون أن العثور على شخص مطابق لهم تمامًا هو الضمان الوحيد لنجاح العلاقة.
هذا التصور قد يؤدي إلى إحباط متكرر، حيث يصطدم الشخص بواقع أن الاختلاف لا مفر منه، وأن محاولة العثور على نسخة طبق الأصل قد تكون رحلة بلا نهاية، تنتهي إما بخيبات أمل متكررة أو بعلاقة تفتقر إلى العمق والنمو.
لا توجد وصفة واحدة تضمن نجاح أي علاقة، فالبعض يجد الراحة في التشابه، بينما يجد آخرون في الاختلاف مصدرًا للتجدد والتعلم. الأهم هو أن يكون هناك تواصل صحي وتفاهم متبادل، لأنهما العاملان الأساسيان اللذان يحكمان نجاح أي علاقة، بغض النظر عن مدى التشابه أو الاختلاف بين الشريكين.