لماذا نجد أنفسنا نكرر نفس الأخطاء العاطفية، وكأننا عالقون في دوامة تعيدنا إلى النقطة ذاتها، رغم قناعتنا بأننا تعلمنا الدرس؟
الأمر ليس مصادفة، ولا مجرد سوء حظ، بل هو انعكاس لأنماط نفسية خفية، تشكلت عبر تجاربنا السابقة، فتدفعنا دون وعي إلى إعادة إنتاج نفس السيناريوهات في حياتنا العاطفية.
نحن لا ننجذب للأشخاص الخطأ بقدر ما ننجذب إلى ما هو مألوف لدينا، حتى وإن كان مؤلمًا.
كسر هذه الدائرة لا يبدأ بمحاولة تغيير الآخرين، بل بفهم أعمق للذات، والتساؤل عن الدوافع الخفية التي ترسم اختياراتنا. كيف نتحرر من هذا النمط ونفتح الباب لعلاقات أكثر نضجًا واتزانًا؟ هنا يكمن السر، والتغيير يبدأ من الداخل.
هناك عدة أسباب تدفعنا للوقوع في نفس الأخطاء عند اختيار الشريك أو التعامل مع العلاقات، وأهمها:
منذ الطفولة، تتشكل لدينا أنماط نفسية بناءً على العلاقات التي نشاهدها ونعيشها، خاصة مع الأهل. إذا نشأنا في بيئة غير مستقرة أو شهدنا تفاعلات غير صحية، فقد نبحث دون وعي عن نفس الديناميكيات في علاقاتنا المستقبلية لأنها مألوفة لنا، حتى لو كانت مؤذية.
حتى لو كانت العلاقة مؤلمة، فإن التمسك بها قد يكون بسبب الشعور بالأمان في المألوف. عندما نكرر نفس الأنماط، فنحن في الحقيقة نحاول إيجاد "نهاية مختلفة" لقصة قديمة، لكننا للأسف نقع في نفس الفخ.
أحيانًا، نتمسك بعلاقات سامة لأن البديل يبدو مرعبًا: إما مواجهة الوحدة أو الخروج من منطقة الراحة العاطفية. هذا يجعلنا نقبل بسلوكيات غير صحية خوفًا من فقدان العلاقة تمامًا.
بعض الأشخاص يدخلون في العلاقات بناءً على الانجذاب العاطفي الفوري دون التمهل للتعرف على الطرف الآخر بعمق. هذا الاندفاع يؤدي إلى تكرار نفس الأخطاء، خاصة إذا كان الاختيار مبنيًّا على احتياجات غير مشبعة بدلًا من التوافق الحقيقي.
إذا كنت تلاحظ أنك تقع في نفس الأخطاء العاطفية، فهناك خطوات يمكنك اتخاذها لكسر هذا النمط وبناء علاقات صحية:
ابدأ بتحليل تجاربك السابقة، ما القواسم المشتركة بين علاقاتك؟ هل هناك نمط معين في الأشخاص الذين تنجذب إليهم؟ متى تبدأ المشاكل بالظهور؟ الوعي هو الخطوة الأولى للتغيير.
أحيانًا، نبحث عن الحب لإشباع نقص داخلي، مثل الشعور بالتقدير أو الأمان. بدلاً من ذلك، حاول تلبية هذه الاحتياجات بنفسك أولًا، حتى لا تكون عرضة للدخول في علاقات غير صحية بسبب الاحتياج العاطفي.
إذا كنت تميل إلى التساهل في العلاقات وقبول السلوكيات غير المقبولة، فقد حان الوقت لتحديد حدود واضحة. لا تخف من قول "لا" عندما تشعر بأن شيئًا ما لا يناسبك. العلاقات الصحية تُبنى على الاحترام المتبادل، وليس على التنازلات المستمرة.
غالبًا ما تكون هناك إشارات منذ البداية تدل على أن العلاقة غير صحية، لكننا نتجاهلها بسبب العاطفة. تعلم أن تثق في إحساسك الداخلي، وإذا شعرت أن هناك مشكلة، لا تحاول تبريرها أو التقليل من شأنها.
إذا كنت قد خرجت من علاقة مؤذية، فمن الأفضل أن تأخذ فترة من التريث لإعادة تقييم نفسك قبل أن تبدأ علاقة جديدة. التسرع قد يجعلك تقع في نفس النمط مرة أخرى.
إذا كنت تجد صعوبة في تغيير أنماطك العاطفية وحدك، فقد يكون من المفيد استشارة معالج نفسي يساعدك في فهم أعمق لأنماطك العاطفية والعمل على تغييرها.
إن تكرار الأخطاء العاطفية ليس قدرًا محتومًا، بل هو نمط يمكن تغييره عندما نبدأ بفهم أنفسنا وأسباب اختياراتنا. من خلال الوعي ووضع الحدود والتأني في العلاقات، يمكننا كسر الحلقة المفرغة وبناء علاقات صحية مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل. فالحب الحقيقي لا يجب أن يكون معركة مستمرة، بل مساحة آمنة تنمو فيها المشاعر بثبات وطمأنينة.