في رحلة الأمومة، يظن الكثيرون أن دور الأم يقتصر على تعليم طفلها وإرشاده نحو الحياة، لكنها تكتشف مع الوقت أن هذا الطفل الصغير، رغم براءته، يحمل في داخله دروسا ثمينة لم تكن لتتعلمها إلا من خلاله.
فالأم لا تكون فقط مربية وموجهة، بل تصبح أيضا تلميذة تتلقى من طفلها دروسا في الصبر، الحب غير المشروط، والتعامل مع الحياة ببساطة وعفوية.
إليك بعض الدروس التي لن تجديها في مكان أقرب من وجود طفلك بجانبك، يعلمك إياها طوال الوقت، إن اخترت الانتباه:
حين تربي طفلا، تجد نفسها أمام اختبارات يومية تتطلب منها قدرا هائلا من الصبر. من الليالي الطويلة التي لا ينام فيها الطفل، إلى عناده وتمسكه برأيه، كلها مواقف تجعلها تتعلم كيف تضبط أعصابها، وتستوعب أن بعض الأمور لا تأتي بسهولة. الطفل يعيد تعريف مفهوم الصبر لدى أمه، ويجعلها أكثر هدوءًا في مواجهة التحديات، ليس فقط في التربية، بل في الحياة عموما.
الأطفال لا يشغلون بالهم بالماضي ولا يقلقون بشأن المستقبل، فهم يعيشون اللحظة بكل تفاصيلها. يضحكون من قلوبهم، يبكون دون حرج، ويفرحون بأبسط الأشياء. هذه العفوية تعلّم الأمهات كيف يتوقفن عن التفكير الزائد والقلق المستمر، وتجعلهن يقدّرن اللحظات الصغيرة التي قد تبدو عادية لكنها تحمل في طياتها الكثير من الجمال.
حين تنظر الأم إلى طفلها، تدرك معنى الحب الحقيقي الذي لا يعتمد على شروط أو مقابل. فهي تحب طفلها حتى في لحظاته الصعبة، عندما يصرخ، عندما يخطئ، وعندما يكون عنيدًا. من خلال حبها لطفلها، تتعلم كيف تمنح الحب دون انتظار أي شيء في المقابل، وهي قيمة قد تمتد لتشمل علاقتها مع الآخرين أيضا.
الأطفال لا يتوقفون عن طرح الأسئلة، فهم يريدون أن يعرفوا كيف تعمل الأشياء ولماذا يحدث كل شيء كما هو. هذه الرغبة المستمرة في الاكتشاف تجعل الأم تدرك أن التعلم لا يتوقف أبدا، وأنه من الجيد أن تبقى فضولية تجاه الحياة وتبحث دائما عن المعرفة.
الأمومة ليست سهلة، لكنها تكشف للأم قوتها الداخلية التي لم تكن تعلم بوجودها. فحين تمر بليالٍ بلا نوم، وتتعامل مع نوبات الغضب، وتشاهد طفلها يواجه صعوبات، تجد نفسها أقوى مما كانت تتخيل. الطفل يجعل أمه تواجه مخاوفها، تتخطى الصعاب، وتكتشف شجاعة لم تكن تعلم أنها تمتلكها.
الأطفال لا يحملون الضغائن، هم يغضبون للحظة، ثم يعودون للعب كأن شيئًا لم يكن. هذه البساطة في التعامل مع المشاعر تعلم الأم درسا مهما: لا داعي لحمل الأعباء العاطفية لفترة طويلة. الغفران والنسيان يجعلان الحياة أكثر سلاما.
ربما يكون الطفل هو المعلم الأفضل عندما يتعلق الأمر بالاستمتاع بالضحك. سواء كان يضحك على أشياء بسيطة، أو يصنع مواقف طريفة، فهو يذكّر أمه بأن الضحك ليس مجرد ترف، بل هو حاجة أساسية تخفف التوتر، وتعيد الطاقة للحياة.
الأمهات يكتشفن مع مرور الوقت أن كل مرحلة يمر بها الطفل لن تعود مرة أخرى. تلك الأيدي الصغيرة التي تمسك بيدها، وصوت ضحكته عندما يراها، وطريقته في مناداتها للمرة الأولى... كلها لحظات ثمينة قد تبدو عادية، لكنها تصبح فيما بعد أجمل الذكريات. هذا الإدراك يجعل الأم تتعلم قيمة العيش في اللحظة والاستمتاع بها قبل أن تصبح ماضيا.
في النهاية... الطفل ليس مجرد ابن، بل هو معلم ببراءته وبساطته، في كل يوم تقضيه الأم مع طفلها، تتعلم منه شيئا جديدا. قد تظن أنها تعلمه كيف يعيش، لكنها في الحقيقة تكتشف من خلاله كيف تعيش هي أيضا. فالأطفال يعيدون تعريف معاني الحياة، ويجعلون أمهاتهم أكثر صبرا، حبا، وتقديرًا لجمال التفاصيل الصغيرة.