من المدهش أن الأشقاء الذين نشؤوا تحت سقف واحد، وتربوا في البيئة ذاتها، قد يكونون على قدر كبير من الاختلاف في الشخصية والطباع.
فما السر وراء هذا التباين؟ هل يعود الأمر إلى الفروق الفردية بين الأطفال، أم أن هناك عوامل أعمق تتدخل في تشكيل شخصياتهم؟
تشير الأبحاث إلى أن الاختلافات بين الأشقاء لا تعود فقط إلى الجينات، بل تتأثر أيضًا بعوامل نفسية واجتماعية وظروف الحياة التي تحيط بهم منذ لحظة الولادة.
فالأطفال لا يتأثرون فقط بما يرثونه من والديهم، بل أيضًا بالطريقة التي يعاملهم بها الأهل، وبالتجارب التي يمرون بها خلال مراحل حياتهم المختلفة.
إليك أبرز العوامل التي تؤثر على شخصيات أطفالك وتجعلهم مختلفين عن بعضهم البعض:
قد تبدأ الفروقات بين الأشقاء منذ لحظة ولادتهم. فبعض الأطفال يولدون في ظروف صعبة، كأن يتعرضوا لمضاعفات صحية تستدعي البقاء في العناية المركزة لفترة طويلة. هذا قد يجعل الأهل يعاملون هذا الطفل بحذر زائد، وذلك من شأنه أن يؤثر على بناء شخصيته، فيميل إلى الاعتماد على الآخرين أكثر من إخوته.
كذلك، فإن ولادة طفل بظروف صحية خاصة، مثل الإعاقة الجسدية أو التوحد أو ضعف السمع أو البصر، قد تدفع الأهل إلى تخصيص رعاية استثنائية له، مما قد يغير طبيعة العلاقة بينه وبين أشقائه، فينشأ كل منهم بشخصية مختلفة بناءً على طبيعة الاهتمام الذي تلقاه.
قد لا يدرك الأهل ذلك، لكنهم يميلون إلى معاملة أبنائهم بطرق مختلفة، بناءً على توقعاتهم المسبقة عنهم. فقد يرى أحد الوالدين أن طفله الأول بحاجة إلى حماية ورعاية دائمة، بينما يعامل شقيقه الأصغر كطفل مستقل وقادر على تحمل المسؤولية منذ الصغر.
هذه التوجهات اللاواعية تؤثر على تطور شخصية كل طفل، وتجعل بعض الأشقاء أكثر اعتمادًا على الدعم العائلي، بينما ينشأ آخرون بروح أكثر استقلالية.
وجد الباحثان هومر بي. مارتن وزميله في دراساتهم أن الأهل يضعون أبناءهم في أنماط سلوكية مختلفة بناءً على توقعاتهم. فغالبًا ما يُنظر إلى الطفل الأول على أنه حساس ويحتاج إلى رعاية إضافية، بينما يُعامل الشقيق التالي بطريقة تجعله أكثر تحمّلًا للمسؤولية.
هذا التوزيع العاطفي قد يؤدي إلى اختلاف واضح بين الأشقاء، حيث يكون بعضهم أكثر اعتمادًا على الآخرين، بينما يظهر الآخرون استقلالية مبكرة.
تلعب التغيرات التي تحدث في حياة الأسرة دورًا كبيرًا في تحديد الاختلافات بين الأشقاء. فمثلاً، قد يولد أحد الأطفال في وقت استقرار مالي، فيحصل على فرص تعليمية وترفيهية أفضل، بينما يأتي شقيقه إلى الدنيا في فترة تعاني فيها الأسرة من أزمات مالية، مما ينعكس على طريقة تربيته وتعليمه.
كذلك، فإن الأحداث الكبرى مثل فقدان أحد الوالدين، الطلاق، الانتقال إلى مدينة جديدة، أو حتى تغيّر نمط حياة العائلة قد يترك أثرًا عميقًا على الأطفال، بحيث ينشأ كل منهم بشخصية مختلفة نتيجة لهذه الظروف.
فقد أظهرت دراسة أجراها تورغرسن وجانسون على التوائم المتطابقة أن الأشقاء الذين مروا بظروف عائلية صعبة مثل الانفصال الأسري أو الصراعات المستمرة، أصبحوا أكثر اختلافًا في شخصياتهم عند البلوغ مقارنة بأشقائهم الذين عاشوا في بيئة أكثر استقرارًا.
التوائم المتطابقة توفر فرصة فريدة لفهم تأثير البيئة على الشخصية، حيث يتشارك التوأمان في الحمض النووي نفسه، مما يعني أن الاختلافات بينهما تعود في الغالب إلى العوامل البيئية وليس الجينات.
وجد الباحثون أن التوائم الذين تعرضوا لضغوط حياتية مختلفة أثناء الطفولة والمراهقة تطورت شخصياتهم بشكل متباين، حتى لو كانت جيناتهم متطابقة.
فالأفراد الذين عاشوا في بيئات أقل استقرارًا كانوا أكثر ميلًا إلى العزلة أو تأجيل اتخاذ القرارات الحاسمة، بينما أولئك الذين نشؤوا في بيئات داعمة كانوا أكثر قدرة على بناء علاقات مستقرة والاندماج في الحياة الاجتماعية بشكل أفضل.
معرفة الأسباب التي تجعل الأشقاء مختلفين يمكن أن تساعد في فهم العلاقات الأسرية بشكل أعمق، كما يمكن أن توجه الآباء إلى أنماط تربوية أكثر وعياً وإنصافاً. فكل طفل يحتاج إلى معاملة تناسب شخصيته واحتياجاته، وليس بالضرورة وفقًا لما يتوقعه الأهل منه أو بناءً على مقارنته بإخوته.
في النهاية، فإن الاختلافات بين الأشقاء ليست مجرد مصادفة، بل هي نتاج مزيج معقد من العوامل النفسية والبيئية التي تتفاعل مع كل طفل على حدة، لتشكّل شخصيته الفريدة وتحدد مساره في الحياة.