في عالم يتزايد فيه التركيز على المكافآت والتعزيزات الخارجية، قد يجد الأهل أنفسهم في مواجهة تساؤل مهم: هل طفلي مهووس بالمكافآت؟ وهل يمكن أن تتحول هذه المكافآت إلى شكل من أشكال الإدمان؟
المكافآت والتعزيزات ليست مجرد أدوات تحفيزية بل هي وسائل لتوجيه سلوك الطفل وتعليمه. ولكن، عندما تصبح هذه المكافآت هي الدافع الوحيد لتصرفات الطفل، قد تكون هناك مشكلة بحاجة إلى معالجة.
في هذا المقال، سنتناول كيفية تأثير المكافآت على الأطفال ومتى يمكن أن تتحول إلى إدمان.
المكافآت ليست ظاهرة جديدة، بل هي جزء من أساليب التربية التي تُستخدم لتحفيز الأطفال على التصرف بشكل إيجابي أو إتمام مهام معينة. تُعتبر المكافآت من الأدوات التربوية التي تعزز السلوكيات المرغوب فيها، وتحث الأطفال على التعلم والتطور.
ومع ذلك، من الضروري أن تكون هذه المكافآت متوازنة ومعقولة، بحيث تُستخدم لتعزيز السلوكيات الجيدة وتشجيع الأطفال على الاستمرار في المحاولات دون أن تكون هي المحرك الوحيد وراء تصرفاتهم.
في البداية، قد لا يكون من السهل تحديد اللحظة التي تصبح فيها المكافآت أداة لإدمان الطفل، ولكن هناك بعض العلامات التي يمكن أن تشير إلى بداية هذه المشكلة:
عندما يبدأ الطفل في الاعتماد على المكافآت بشكل دائم لتحقيق أي هدف أو إتمام أي مهمة، فهذا قد يشير إلى أن التعزيزات قد أصبحت العنصر المحرك لسلوكه. الطفل الذي لا يستطيع أن يكمل مهامه أو يتصرف بشكل مناسب إلا عندما يعلم أنه سيحصل على مكافأة قد يصبح معتمدًا جدًّا على هذه المكافآت.
في حالات الإدمان على المكافآت، يبدأ الطفل في التركيز على المكافأة نفسها أكثر من التركيز على الهدف أو الفائدة من السلوك. على سبيل المثال، قد يتعلم الطفل أن يلعب بلعبة معينة فقط من أجل الحصول على قطعة حلوى أو مكافأة مادية، دون أن يفهم القيم المرتبطة باللعب أو المهمة التي يقوم بها.
عندما يتحول الطفل إلى شخص لا يتفاعل إلا إذا كان هناك وعد بمكافأة، قد يعاني صعوبة في القيام بالمهام من تلقاء نفسه. إذا شعر الطفل أنه لا يستحق المكافأة لمجرد قيامه بشيء إيجابي، قد يتوقف عن أداء هذا السلوك تمامًا.
إحدى الدلالات الواضحة على تحول المكافآت إلى إدمان هو أن الطفل يبدأ في القيام بتصرفات غير مناسبة أو مبالغ فيها للحصول على المكافآت. قد يبدأ في تجاوز الحدود أو تنفيذ المهام بشكل سريع وغير دقيق فقط من أجل الحصول على الجائزة؛ ما يشير إلى أنه لا يفهم أهمية الجهد بل يركز فقط على النتيجة.
في حال امتناع الأهل عن منح المكافأة أو وجود تأخير في تقديمها، قد يبدأ الطفل في إظهار سلوكيات سلبية مثل الغضب أو التمرد. هذا النوع من السلوك هو علامة على أن المكافآت قد أصبحت وسيلة لتحديد قيمة الطفل أو سلوكه، بدلاً من كونها حافزًا لتعزيز سلوكيات إيجابية.
الاعتماد على المكافآت المفرطة قد يؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية على نمو الطفل:
عندما يكون الطفل معتادًا على الحصول على مكافآت خارجية، قد يفقد الدافع الداخلي لإتمام المهام. يصبح الاعتماد على المكافآت الخارجية هو المحفز الوحيد؛ ما يؤدي إلى ضعف الحوافز الذاتية والداخلية لدى الطفل.
الشعور بعدم الرضا: عندما يتلقى الطفل مكافآت بشكل مستمر، قد يبدأ في الشعور بعدم الرضا عن نفسه أو عن ما يقدمه. بدلًا من أن يشعر بالإنجاز لمجرد إتمام مهمة معينة، يربط سلوكه فقط بالجائزة التي يتوقع الحصول عليها.
قد يؤدي الاعتماد المستمر على المكافآت إلى تكوين توقعات غير واقعية لدى الطفل. يتوقع الطفل أن يحصل على مكافأة لكل جهد يبذله، مما يمكن أن يخلق شعورًا بالاستحقاق، وهو ما قد يكون مضرًا في المستقبل.
الاعتماد على المكافآت المادية: في حال تم تقديم مكافآت مادية بشكل مستمر، قد يبدأ الطفل في ربط قيمته الشخصيّة بما يحصل عليه من ماديّات. وهذا قد يؤدي إلى صعوبة في التأقلم مع الحياة التي لا تقدم مكافآت فورية أو مادية، مثل المدرسة أو الحياة المهنية في المستقبل.
رغم أن المكافآت يمكن أن تكون أداة فعّالة في التربية، فإن استخدامها يجب أن يكون مدروسًا. إليك بعض النصائح لتجنب تحول المكافآت إلى إدمان:
من المهم استخدام المكافآت بشكل مناسب واعتدال. يجب أن تكون المكافآت مرتبطة بسلوكيات مميزة تستحق التعزيز، وليس كل تصرف يومي.
تعزيز السلوكيات من خلال الثناء والملاحظات الإيجابية: بدلاً من تقديم المكافآت المادية دائمًا، يمكن استخدام الثناء والكلمات التشجيعية كوسيلة لتعزيز السلوكيات الإيجابية. هذا يُعلّم الطفل أن الفخر بنفسه والتقدير الذاتي هما المكافآت الحقيقية.
يجب التركيز على مكافأة الجهد المبذول بدلاً من النتيجة فقط. هذا يُعلّم الطفل أن العملية نفسها مهمة بقدر النتيجة النهائية.
تعليم الطفل أهمية القيام بالأشياء من أجل متعة الإنجاز: من خلال تحفيز الطفل على التركيز على الفوائد الشخصية للتصرفات والسلوكيات الجيدة، يمكن أن يساعد ذلك على تعزيز الدافع الداخلي وتقليل الاعتماد على المكافآت الخارجية.
في النهاية، المكافآت هي أداة فعالة إذا ما تم استخدامها بشكل معتدل. إلا أن استخدامها المفرط قد يؤدي إلى تحولها إلى أداة إدمانية، تؤثر في قدرة الطفل على التحفيز الذاتي. من المهم أن تكون المكافآت وسيلة لتوجيه سلوك الطفل وتعليمه القيم الإيجابية، وليس السبب الوحيد الذي يدفعه للأداء. من خلال موازنة المكافآت مع تعزيز السلوكيات الداخلية وإرساء مبادئ الثقة بالنفس، يمكننا أن نساعد الطفل على تطوير دوافعه الداخلية وإعداد جيل قادر على العمل من أجل الإنجاز الشخصي وليس لمجرد الحصول على مكافأة.