حين يبلغ الطفل مرحلة المراهقة، تبدأ شخصيته بالتمايز والوضوح أكثر من أي وقت مضى.
وبينما ينفتح البعض على محيطهم الاجتماعي، يُفضّل آخرون البقاء في دائرة ضيّقة من العلاقات أو حتى الانعزال التام.
هذا الانسحاب قد يثير قلق الأمهات والآباء، خصوصًا عندما يصبح الصمت لغة يومية، والباب المغلق علامة استفهام متكرّرة.
لكن، قبل أن نُسرع بإطلاق الأحكام، لا بدّ من فهم الفرق بين الانطوائية كصفة طبيعية، وبين العزلة التي قد تخفي وراءها مشكلات أعمق.
الانطوائية ليست عيبًا ولا خللًا نفسيًا، بل هي نمط من أنماط الشخصية. الشخص الانطوائي غالبًا ما يشعر بالراحة في الأوساط الصغيرة، ويُفضّل التفاعل العميق على العلاقات السطحية، ويحتاج إلى وقت بمفرده ليستعيد طاقته.
أما العزلة المرضية، فهي انسحاب تامّ من التفاعل الاجتماعي، وقد تكون مرتبطة بمشاعر اكتئاب أو قلق أو رفض للذات.
قبل أن تحكمي على أن انطواء طفلك أمر سلبي، حاولي أن تخوضي المراحل التالية أولا:
بعض المراهقين ببساطة لا يحبّون الضوضاء، ولا يجدون متعة في المناسبات الاجتماعية. لا تحاولي تغيير طبيعتهم، بل احترميها وقدّريها. فالعالم يحتاج للمفكرين الصامتين كما يحتاج للمتحدّثين البارعين.
لا تسأليه "لماذا لا تختلط بالآخرين؟"، بل استخدمي عبارات مفتوحة مثل:
"كيف كانت تجربتك في المدرسة اليوم؟" أو "هل تحب أن تدعو أحد أصدقائك يومًا؟"
تجنّبي النقد أو المقارنة، وامنحيه شعورًا بالأمان حتى يُعبّر عن مشاعره.
بعض المراهقين الانطوائيين يبرعون في الكتابة، الموسيقى، الرسم، أو البرمجة. ساعديه على استكشاف وسيلة يعبّر بها عن نفسه دون الحاجة للتفاعل الاجتماعي المباشر.
إن شعرتِ أن انعزاله بدأ يؤثّر في صحته النفسية أو سعادته اليومية، لا تترددي في استشارة مختص نفسي. التدخّل المبكر قد يمنع تراكم مشاعر العزلة أو القلق.
من المهم أن تُدرك كل أم أن انطوائية المراهق لا تعني أنه يعاني مشكلة، ولا تعني أنه غير سعيد. الكثير من الشخصيات البارزة والمبدعة في العالم كانت انطوائية في شبابها، لكنها وجدت بيئة احتوتها وأتاحت لها النموّ بهدوء.
فبدلًا من دفع الطفل ليكون "كما يجب"، ربما نحتاج أن نقف بجانبه ونفهم كيف يشعر فعلًا، وأن نطمئن إلى أن كل زهرة تتفتح بطريقتها الخاصة.