عندما تُرزق الأم بمولود جديد، تتوالى عليها نصائح الصديقات والعمات والجدات لتحذرها من حمل الطفل عند البكاء بهدف إسكاته، والعبرة هي أن لا يتعود على الحمل والدلال الزائد.
وبينما تنادي الكثير من الأمهات لهذه الطريقة البدائية لتربية الطفل، ينادي العلم وناشرو الوعي التربوي لتبني نهج مختلف تماما، إذ يدعون الأم لحمل الطفل كلما سنحت الفرصة.
فهذه العادة الفطرية البسيطة لها فوائد لا تعد ولا تحصى على الأم والطفل معًا، لأن لحظة الاستجابة تلك تحمل معها العديد من المشاعر الإيجابية.
في هذه الموضوع سنقدم لك الجواب الشافي والكافي عن حمل الأطفال، لتطمئني وتشعري بدفء احتضان طفلك كل مرة، دون تلك الأصوات التي تُشعرك بالذنب طوال الوقت.
يجيب الأطباء والاختصاصيون في نمو الأطفال عن هذا التساؤل بشكل قاطع: لا، لا يمكن تدليل الطفل في هذه المرحلة. في الواقع، فإن الاستجابة السريعة لاحتياجات الطفل هي أمر بالغ الأهمية في بناء رابطة عاطفية قوية مع الوالدين، ولها تأثير إيجابي على نموه العقلي والعاطفي.
عندما يبكي الطفل، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يطلب شيئًا مفرطًا أو غير معقول. في أشهره الأولى، يبكي الطفل لأسباب متعددة، مثل الجوع، البلل، البرودة، أو ببساطة لأنه بحاجة إلى الراحة والاحتضان. البكاء هنا ليس مجرد إشارة مزعجة، بل هو الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الطفل للتواصل مع من حوله، وهذا يعكس حاجته الطبيعية للأمان والرعاية.
الاستجابة السريعة والمستمرة لهذا البكاء لا تعني دلالًا مفرطًا، بل هي عملية طبيعية لفهم احتياجات الطفل والاستجابة لها. عندما يحظى الطفل بالاهتمام والرعاية، يشعر بالأمان، وهذا يسهم في تعزيز تطور دماغه بشكل صحي.
حيث تشير دراسة نشرت في Developmental Psychology. إلى أن الأطفال الذين يلقون الرعاية استجابة لاحتياجاتهم في السنة الأولى من حياتهم ينمون ليصبحوا أكثر قدرة على الاعتماد على أنفسهم، ولديهم تقدير أعلى لذاتهم، بالإضافة إلى قدرتهم الأفضل على التعامل مع التوتر.
في المرحلة العمرية المبكرة، يكون الطفل في أمس الحاجة إلى الشعور بالأمان. إذا استجاب الوالدان لاحتياجاته العاطفية والجسدية، مثل حمله وتهدئته عند البكاء، فإن ذلك يساهم في بناء رابط عاطفي متين بينهما.
هذه العلاقة هي الأساس الذي يبني عليه الطفل إحساسه بالثقة في العالم من حوله؛ ما يؤثر بشكل إيجابي على تطوره العقلي والعاطفي.
إلى جانب ذلك، فإن الاستجابة لاحتياجات الطفل لا تقتصر على توفير الراحة فقط، بل لها تأثيرات طويلة المدى على قدرات الطفل في التفاعل مع الآخرين، وفهم مشاعرهم، وبالتالي التكيف بشكل أفضل في المجتمع.
رغم أن الطفل قد لا يملك الوسائل للتعبير عن احتياجاته بالكلمات، فإن تصرفات الوالدين في هذه المرحلة تعد مفتاحًا لتطور طفلهم بشكل صحي. تكرار استجابة الوالدين بشكل متسق يعزز في عقل الطفل فكرة أن العالم من حوله مكان آمن يعتمد عليه. هذا النمط من الرعاية لا يقتصر على توفير الراحة الجسدية فحسب، بل يتعداه إلى تعزيز الشعور بالحب والاهتمام.
ليس فقط الطفل هو الذي يستفيد من هذه التجربة، بل أيضًا الوالدان. فالعلاقة العاطفية المتينة مع الطفل تمنح الوالدين شعورًا بالإنجاز والرضا، ويعزز التفاعل الإيجابي داخل الأسرة.
وختاما، إن السؤال عن إمكانية تدليل الطفل في الأشهر الأولى لا يعكس حقيقة الأمر. بل على العكس من ذلك، تعتبر الاستجابة لاحتياجات الطفل العاطفية والجسدية من أهم أبعاد التربية السليمة. البكاء ليس دعوة إلى الحصول على الدلال أو طلب للمبالغة، بل هو رسالة تعكس حاجة حقيقية للمسؤولين عن رعاية الطفل. على الوالدين أن يشعروا بالراحة عند استجابة احتياجات طفلهم؛ فذلك لا يسهم فقط في نموه العقلي والعاطفي، بل يبني أيضًا علاقة قوية قائمة على الأمان والثقة.