مع انتشار التكنولوجيا في كل جوانب حياتنا، لم تعد الأمومة كما كانت في السابق.
بين الهواتف الذكية، والتطبيقات التربوية، ومجموعات الأمهات على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الأم تعتمد على الأدوات الرقمية في تربية أطفالها أكثر من أي وقت مضى.
لكن مع هذا التطور، يبرز سؤال مهم: هل تقرّبنا هذه التكنولوجيا من أطفالنا أم تخلق فجوة خفية بيننا وبينهم؟
في الماضي، كانت الأم تعتمد على حدسها الفطري وخبرات الأجيال السابقة في تربية أبنائها، بينما اليوم أصبحت المصادر الرقمية جزءًا من عملية التربية.
التطبيقات تقدم نصائح فورية، والمواقع تفيض بالمعلومات، وحتى الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على تقديم إرشادات للأمهات حول تغذية الطفل أو مراحل نموه.
هذا التحول سهّل على الأمهات الوصول إلى المعلومات، لكنه في الوقت ذاته غيّر طبيعة العلاقة بين الأم والطفل، إذ أصبحت الشاشة وسيطًا بينهما في كثير من الأوقات.
عندما ينشغل الطفل بجهازه اللوحي، وتنشغل الأم بهاتفها، قد يبدو كل منهما حاضرًا في المكان، لكنه غائب عاطفيًا.
قضاء الوقت مع الأطفال لم يعد كما كان، فقد حلت الصور الملتقطة لأجمل اللحظات محل العيش الحقيقي لها، وأصبحت المحادثات تُقطع بسبب إشعارات الهاتف، ما قد يؤثر على التواصل العاطفي العميق بين الأم وأطفالها.
الأطفال بحاجة إلى تفاعل حقيقي، إلى عيون تلتقي بأعينهم، ولمسات دافئة تشعرهم بالأمان. وحين تحل التكنولوجيا محل هذه اللحظات، قد يتعلم الطفل أن يبحث عن الاهتمام من خلال الشاشات بدلًا من التفاعل البشري الحقيقي.
رغم تحديات العصر الرقمي، يمكن للأمهات حماية الرابط العاطفي مع أطفالهن عبر موازنة استخدام التكنولوجيا، وذلك من خلال:
تخصيص أوقات يومية للعب والتحدث مع الأطفال دون أي أجهزة إلكترونية يعزز التواصل الحقيقي. يمكن أن تكون هذه الأوقات خلال وجبات الطعام أو قبل النوم.
التقاط الصور مهم، لكن الأهم هو أن تعيش الأم اللحظة مع طفلها بدلًا من الانشغال بتوثيقها ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
يمكن أن تكون التكنولوجيا وسيلة لتعزيز العلاقة بدلًا من أن تضعفها، مثل مشاهدة فيلم عائلي معًا أو استخدام التطبيقات التفاعلية التي تعتمد على التواصل المشترك وليس العزلة.
الألعاب التقليدية، والقراءة بصوت عالٍ، والمشي في الطبيعة، كلها أنشطة تعيد دفء العلاقة بين الأم وطفلها، وتساعده على بناء مهاراته العاطفية والاجتماعية.
التكنولوجيا ليست عدوًا للأمومة، لكنها قد تصبح عائقًا إذا لم يتم التعامل معها بحكمة. الحفاظ على العلاقة الفطرية مع الطفل لا يعني رفض العصر الرقمي، بل تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وبين توفير التفاعل الحقيقي الذي لا يمكن لأي جهاز أن يعوضه. فالأم التي تحيط طفلها بالحب والانتباه الحقيقي، هي التي تظل أقرب إليه، مهما تطورت الشاشات من حولهما.