لا يخفى على أحد في عصرنا الحالي فوائد اليوغا للعقل والجسم والصفاء الذهني.
وفي عالم يتسم بالضغوطات اليومية والتحديات المتزايدة، تظهر يوغا الهاثا كنوع فريد من أنواع اليوغا التي تقدم العديد من الفوائد لممارسيها.
فهي ليست مجرد تمارين جسدية، بل هي رحلة عميقة نحو الهدوء والتوازن، تستند إلى تقاليد عريقة تعود إلى أكثر من 5000 عام في الهند.
الهاثا تجسد فلسفة شاملة تجمع بين الجوانب الروحية والجسدية، مما يجعلها أحد أكثر أنواع اليوغا تأثيرًا وفائدة.
تعتبر يوغا الهاثا فنًا يجمع بين الوضعيات الجسدية (أسانا)، وتقنيات التنفس (براناياما)، والتأمل.
هدفها الأساسي هو تحقيق التناغم بين الجسد والعقل، إذ تُعد بوابة لإعداد النظام الروحي لتقبل ممارسات أعمق.
الهاثا تعني في جوهرها توازن القوى المتضادة: "ها" تشير إلى الطاقة الشمسية النشطة، بينما "ثا" تمثل الطاقة القمرية الهادئة.
ومن خلال الحركات المدروسة وتقنيات التنفس، يسعى مُمارسوها لتحقيق التوازن الداخلي.
من كهوف اليوغيين إلى إستوديوهات اليوغا الحديثة حول العالم، شهدت يوغا الهاثا تطورًا ملحوظًا.
إذ كانت المعرفة المتعلقة بها مُحتفظة بشكل سرّي بين المتصوفين فقط، وقد تم تمريرها عبر تقاليد غامضة ونصوص قديمة مثل "هاتها براديبيكا".
اليوم، يمكن للناس من مختلف الثقافات الاستفادة من هذا النظام.
تتجاوز فوائد يوغا الهاثا حدود الجوانب الجسدية لتصل إلى الصحة النفسية والروحية أيضًا. من خلال ممارسة هذه اليوغا بانتظام، يمكن اكتشاف كنز من المنافع التي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الوقوف على حصيرة اليوغا.
تستفيد النساء بشكل خاص من هذه الممارسة، حيث تقدم تخفيفًا فعالًا لآلام الدورة الشهرية من خلال الوضعيات اللطيفة. كما تساهم في تنظيم التوازن الهرموني خلال مراحل مختلفة من الحياة، مثل الحمل وانقطاع الطمث. كما تتمتع الهاثا بخصائص مهدئة تساعد في تقليل مستويات التوتر والقلق.
وعند الحديث عن فقدان الوزن، قد يبدو أن يوغا الهاثا أقل فعالية مقارنةً بأنواع الرياضة الأكثر نشاطًا، إلا أنها تسهم بشكل ملحوظ في تعزيز عملية الأيض، مما يساعد على بناء العضلات وتحقيق التحكم في الوزن. كما تتيح ممارسة الأوضاع المختلفة للمتدربين فرصة التواصل مع أجسادهم بشكل أفضل.
تتميز يوغا الهاثا بوضعيات سهلة ولكن ذات تأثير عميق، إليك بعض وضعيات المبتدئين:
تُعتبر وضعية الجبل، أو "تاداسانا"، من الوضعيات الأساسية في يوغا الهاثا، وهي مثالية للمبتدئين.
تساعد هذه الوضعية على تحسين وضعية الجسم وزيادة الوعي بالتوازن والمحاذاة.
لتأديتها، ابدأ بالوقوف في مقدمة الحصيرة مع قدميك متوازيين. ثم، ابدأ بتوجيه انتباهك من قدميك إلى كل جزء من جسمك حتى تصل إلى قمة رأسك، مع محاولة تكديس المفاصل بشكل صحيح: الكاحلين، والركبتين، والوركين، والكتفين، وقمة الرأس.
هذه الوضعية تعزز الاستقرار الجسدي وتساعد على تحسين الوعي الذاتي، مما يجعلها نقطة انطلاق رائعة لممارسات اليوغا الأخرى.
تُعتبر وضعية الكلب المتجه لأسفل، أو "أدهو موكه سوانا"، من الوضعيات الأساسية في يوغا الهاثا، وهي مثالية للمبتدئين.
تساعد هذه الوضعية على تمديد الجزء الخلفي من الساقين والظهر، ما يعزز المرونة ويخفف التوتر.
لتأديتها، ابدأ بالوقوف على يديك وركبتيك، ثم اثنِ أصابع قدميك وادفع بيديك لرفع مؤخرة جسمك نحو السقف، بحيث يتخذ جسمك شكل حرف "V" المقلوب. هذه الوضعية تقوي الذراعين والكتفين.
تُعتبر وضعية الطفل، أو "بالاسانا"، من الوضعيات الأساسية في يوغا الهاثا، وهي مثالية للمبتدئين.
تعني كلمة "بالا" في السنسكريتية الـ "طفل". تساعد على فتح الوركين وتوفير فرصة للاسترخاء.
لتأديتها، ابدأ في وضع يديك وركبتيك، ثم افتح ركبتيك نحو الجانبين مع تلامس قدميك في المنتصف. اجلس بمؤخرتك على كعبيك، وانحنِ لخفض جبينك إلى الحصيرة.
يمكنك مد ذراعيك إلى الأمام أو وضعهما بجانب جسمك. تعتبر هذه الوضعية مثالية لاستعادة الطاقة والتخفيف من التوتر بعد جلسة نشطة.
وجميع هذه الأوضاع تشكل أساسًا قويًا لممارسات أكثر تقدمًا.
إن يوغا الهاثا ليست مجرد مجموعة من التمارين الجسدية، بل هي تجربة شاملة تعزز من التوازن بين العقل والجسد.
من خلال الممارسة المنتظمة، يمكن أن تسهم في تحسين الصحة البدنية والنفسية، وتفتح آفاقًا جديدة للنمو الروحي.