في عصرٍ تتدفق فيه المعلومات بغزارة، ولا سيما في مجالي الصحة والتغذية، يصبح التمييز بين الحقائق العلمية والخرافات تحديًا حقيقيًا.
ومن بين أكثر القضايا إثارةً للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، تبرز الادعاءات حول دور بعض الأطعمة في تحفيز الالتهابات.
وبما أن مصطلح "الالتهاب" يحمل دلالات مقلقة لكثيرين، فمن الطبيعي أن يثير القلق فور سماعه.
الالتهابات ليست دائمًا أمرًا مقلقًا، وفقًا للدكتور جوناثان ليتل، الباحث في مختبر Exercise Metabolism and Inflammation Lab بجامعة كولومبيا البريطانية.
حيث يوضح الدكتور ليتل أن الالتهاب في جوهره يشير إلى نشاط جهاز المناعة، وهو أمر ضروري لحماية الجسم من العناصر غير المرغوب فيها، مثل الفيروسات أو البكتيريا. فعلى سبيل المثال، عند الإصابة بنزلة برد أو التواء في الكاحل، يستجيب جهاز المناعة بسرعة عبر التهاب حاد، يستمر لفترة وجيزة قبل أن يهدأ، بمجرد استعادة التوازن والسيطرة على الحالة.
يشير الدكتور جوناثان إلى انتشار العديد من الخرافات حول الالتهابات والأطعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدًا ضرورة التحقق من صحتها وعدم تصديقها دون دليل علمي، وذلك وفقًا لما أورده موقع Eating Well:
انتشرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي ادعاءات حول أن الزيوت النباتية، مثل زيت الكانولا، ضارة.
ويشير البعض إلى أن الأحماض الدهنية أوميغا-6 في هذه الزيوت تسبب الالتهاب.
لكن الدراسات وفق الدكتور جوناثان أظهرت أن حمض اللينوليك، وهو نوع من الأحماض الدهنية أوميغا-6 الموجود في زيت الكانولا، قد يساعد على تقليل الالتهاب المزمن.
يعتقد البعض أن أي طعام يخضع للمعالجة، مثل الخضراوات المغسولة مسبقًا أو الأطعمة المعلبة، قد يكون ضارًا بالصحة.
لكن في الواقع، لا تؤدي جميع الأطعمة المعالجة بالضرورة إلى الالتهابات. فالمشكلة تنشأ فقط عندما تحتوي هذه المنتجات على كميات كبيرة من السكريات المضافة، الصوديوم، أو الكربوهيدرات المكررة، وهي العناصر التي قد تؤثر سلبًا في صحة الجسم عند استهلاكها بكثرة.
انتشرت معلومة خاطئة تدعي ضرورة تجنب أطعمة مثل الطماطم والفلفل، لاحتوائها على مركبات تُعرف بـ"الجليكوالكالود"، والتي يُزعم أنها قد تسبب مشكلات صحية، وتزيد الالتهابات عند استهلاكها بكميات كبيرة.
لكن في الحقيقة، ما لم يكن لديك حساسية أو تفاعل سلبي تجاه هذه الأطعمة، فلا داعي لتجنبها، بل على العكس، فهي غنية بمغذيات تمتلك خصائص مضادة للالتهاب، ما يجعلها إضافة مفيدة لنظامك الغذائي.
تم الترويج مؤخرًا لفكرة أن منتجات الألبان ضارة بالصحة، وأنه من الأفضل استبدالها بالبدائل النباتية، بحجة أنها تسبب الالتهابات.
لكن من الناحية العلمية، يوضح الدكتور جوناثان أن منتجات الألبان قد تسهم في تقليل الالتهابات، بفضل احتوائها على فيتامين د، الكالسيوم، ومضادات الأكسدة، وهي عناصر تدعم صحة الجسم، وتعزز وظائفه الحيوية.
يُشاع أن السكر يسبب الالتهابات، لكن هذه الفكرة ليست دقيقة تمامًا. فبينما قد يسهم السكر المضاف في تحفيز الالتهابات عند استهلاكه بكميات كبيرة، فإن السكر الطبيعي الموجود في الفواكه والخضراوات لا يسبب التأثير نفسه، بل على العكس، فهذه الأطعمة تحتوي على الألياف والعناصر الغذائية التي تساعد على تقليل تأثير السكر في الجسم، وتعزز الصحة العامة.
وختاما، وعند الحديث عن التغذية الصحية، تشير الدراسات إلى أن الأنظمة الغذائية المتوازنة، مثل النظام الغذائي المتوسطي ونظام DASH، تمتلك تأثيرات مضادة للالتهابات، وفقًا لما أكده الدكتور جوناثان. لذلك، من المهم عدم الانسياق وراء المعلومات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من دقتها علميًا، فالغذاء ليس مجرد أرقام ومكونات، بل هو توازن ذكي يدعم صحة الجسم على المدى الطويل.