لطالما ارتبطت الخيول بالقوة والجمال والحرية، لكن دورها يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أصبحت جزءًا من أساليب العلاج الحديثة التي تستهدف تحسين الصحة الجسدية والنفسية. فمن خلال التفاعل المباشر مع الخيل، يمكن للمرضى تحقيق تقدم ملحوظ في قدراتهم الحركية وتعزيز توازنهم النفسي والاجتماعي.
الدكتور إيلي صقر، المختص في العلاج الفيزيائي، اكتشف عن قرب هذا التوافق الفريد بين الفروسية والعلاج الحركي، إذ إن سنوات من تربية الخيول والتعامل معها أكسبته فهماً عميقاً لتأثيرها الإيجابي على الإنسان. ومن هذا المنطلق، عمل على توظيف شغفه بالخيول في مجال العلاج الطبيعي، مستفيدًا من مزايا ركوب الخيل في إعادة التأهيل الحركي وتحسين جودة حياة المرضى.
بحسب النهار، يتميز العلاج بركوب الخيل بقدرته على محاكاة أنماط المشي البشري، ما يساهم في تحفيز العضلات الأساسية وتعزيز التوازن الحركي.
كما أن الحركة المتناغمة للحصان توفر تجربة حسية غنية تساعد المرضى على تطوير إدراكهم الحسي وتعزيز مهاراتهم الحركية.
ولا يقتصر التأثير الإيجابي على الجانب الجسدي فحسب، بل يمتد ليشمل الصحة النفسية أيضًا، إذ يمنح التفاعل مع الخيل شعورًا بالهدوء والراحة، ويساعد في تقليل التوتر والقلق. كذلك، يعزز العلاج بركوب الخيل التواصل غير اللفظي، ما يجعله خيارًا مناسبًا للأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التعبير أو الاندماج الاجتماعي.
بهذا الأسلوب المبتكر، يصبح ركوب الخيل أكثر من مجرد رياضة أو هواية، بل أداة فعالة في تعزيز الصحة الشاملة، مقدّمًا للمرضى فرصة لاستعادة الثقة بأنفسهم وتحقيق التوازن بين الجسد والعقل.
عند ركوب الشخص الحصان، تجري محاكاة حركة الحوض في أثناء المشي البشري. هذه الحركة المتناسقة تساعد في تحسين التوازن، إذ يتعين على المريض ضبط جسده باستمرار للحفاظ على استقراره بسبب حركة الحصان في كل الاتجاهات (أمام، خلف، وجانبياً). كذلك، تسهم في تحسين التنسيق الحركي، إذ يساعد التفاعل مع الحصان على تحسين قدرة المريض على التحكم بحركات جسمه. إضافة إلى ذلك، يعمل العلاج على تقوية العضلات الأساسية، ما يساعد في تحسين الوضعية.
من الفوائد الأخرى التي يوفرها العلاج تنمية الإحساس بموقع الجسم في الفضاء، وتطوير مهارات التواصل واللغة في حالات معينة، خصوصاً عند الأطفال.
يتميز العلاج بجوانب عدة، بينها البيئة العلاجية المفتوحة والمتحركة التي تساعد في تقليل التوتر وتحفيز المريض بطريقة ممتعة. إن تأثير حركة الحصان الثلاثية الأبعاد فريد من نوعه، ولا يمكن محاكاته في جلسات العلاج التقليدية.
ومن الناحية النفسية، التفاعل مع الحصان يعزّز الثقة بالنفس والتحفيز، ما يزيد من التزام المريض العلاج. ومن أبرز الحالات التي أظهرت استفادة ملحوظة من العلاج بركوب الخيل:
تحسّن واضح في التوازن والتحكم بالجذع وزيادة في القوة العضلية والمرونة.
تحسن في مهارات التواصل الاجتماعي وتقليل القلق وفرط النشاط.
تحسّن في التوازن وتقليل التشنجات العضلية.
تحسّن في التنسيق الحركي، واستعادة القدرة على التحكم الحركي الدقيق.
تسريع اكتساب المهارات الحركية.
تمثل فوائد العلاج بركوب الخيل مزيجاً من الفوائد الجسدية والنفسية والاجتماعية، أبرزها تحسين التوازن، وتعزيز التنسيق الحركي، وتقوية العضلات، وتحسين المرونة ونطاق الحركة.
عصبياً، يساعد العلاج على تحسين الإدراك الحسي وتحفيز الجهاز العصبي. ونفسياً، يشمل تقليل التوتر والقلق، وتعزيز الثقة بالنفس، وتحسين الحالة المزاجية. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يساعد هذا العلاج في تطوير مهارات التواصل الاجتماعي وتعزيز التركيز والانتباه.
يشمل العلاج بركوب الخيل مجموعة واسعة من الحالات الطبية التي تتطلب تحسين التوازن، التنسيق الحركي، والقوة العضلية.
من أبرز هذه الحالات الشلل الدماغي، التصلب المتعدد، إصابات الدماغ أو الحبل الشوكي، السكتة الدماغية، اضطرابات طيف التوحد، ومتلازمة داون.
كذلك يمكن أن يكون مفيداً في معالجة الحالات النفسية مثل القلق والاكتئاب وPTSD. وأظهرت العديد من الدراسات فاعلية هذا العلاج في تحسين المهارات الاجتماعية للأطفال المصابين بالتوحّد، وتحسين المعالجة الحسيّة والإدراكية، بالإضافة إلى تقوية العضلات وتحسين التوازن.
إحدى الدراسات التي أنجزها صقر وفريقه في الجامعة الأنطونية في لبنان أظهرت أهمية هذا العلاج في تحسين التوازن وتقوية العضلات.
من بين القصص المتميزة في مركز HopeLand للعلاج بالفروسية، قصة طفل في السابعة يعاني من اضطراب طيف التوحّد، وصعوبة في التواصل الاجتماعي والقلق والتشتت. بعد أشهر من العلاج بركوب الخيل، أظهر تحسناً في تفاعله مع الآخرين، وزادت قدرته على التركيز والانتباه، وأصبح أكثر استعداداً للانخراط في النشاطات الاجتماعية.
الحالة الأخرى لفتاة صغيرة مصابة بالشلل الدماغي، كانت عاجزة عن السير وتعاني توتراً عضلياً دائماً، فظهرت علامات تحسن ملحوظة بعد نحو 6 أشهر من العلاج. وتمكنت الفتاة من الجلوس بشكل أكثر استقراراً، وتحسّن توازنها بشكل ملحوظ. ساعد العلاج بحركة الحصان السلسة على تنشيط جهازها العصبي وتحسين التنسيق بين عقلها وجسمها.