header-banner
متحف بيت عرار في الأردن

تحويل منازل المشاهير إلى متاحف.. توثيق للمشهد الثقافي

ثقافة
أروى الزعبي
14 فبراير 2025,6:00 ص

لطالما كانت بيوت المشاهير من أكثر ما يرغب الكثيرون في معرفة محتوياتها وتصميماتها الداخلية، فهناك فضولٌ عميقٌ يتشكل لدينا عند رؤية ذلك الفنان أو النجم على الشاشات، ليعترينا سؤالٌ مفاده: يا تُرى كيف عاش حياته؟

لذا، لم تأتِ فكرة تحويل منازل الكثير منهم إلى متاحف من فراغ، فمن منزل دالي السريالي إلى كوخ ديريك جارمان على شاطئ البحر، مرورًا بمنزل الشاعر أحمد شوقي المطل على كورنيش نيل الجيزة، ومنزل الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل الملقب بـ "عرار" الواقع في إربد، ومنزل الفنان والموسيقار الراحل زكي ناصيف الواقع في مشغرة، تلك القرية اللبنانية التي غنت لها فيروز يومًا "يا قمر مشغرة يا بدر وادي التيم"، وغيرها الكثير، كلها أمثلة شاهدة على تاريخ عريق من الفن والإبداع، ورحلةٍ طويلة من خدمة أولئك النجوم للمشهد الثقافي والفني على مر الأزمان.

وبين من يراها تكريمًا للفنانين وطريقةً للاحتفاظ بإرثهم العريق لأجيال قادمة، ومن يراها أسلوبًا لرفع الذوق العام ومساهمةً في تنشيط السياحة، تظل فكرة تحويل منزل مشهورٍ ما إلى متحفٍ، إحدى أهم طرق تنوير الجمهور وتعريفه برموزه الفنية والثقافية التي أعلت من شأن الحياة الثقافية في عالمنا.

وأخيرًا أعاد قرار وزارة الثقافة اللبنانية بتحويل منزل النجمة اللبنانية فيروز إلى متحف، هذا الأمر إلى الواجهة، لنفكر في أبعاد هذه القرارات.

كشف أسرار المشاهير

d6eca880-0298-43c5-be3f-d0e644855df0

في ماضٍ ليس ببعيد، اعتبرت مصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل أن التصميم الداخلي هو "إسقاط طبيعي للروح"؛ ما يعني أن مجرد نظرة خاطفة داخل منزل أحدهم قد تكون إحدى أكثر الطرق حميمية لكشف ومعرفة الحياة الخاصة لهذا الشخص عن قرب.

أما في الزمن الحالي، فيقول جيلبرت ماكاراغر، مؤلف كتاب عن منزل المخرج البريطاني ديريك جارمان الساحلي، إن منازل المبدعين الثقافيين تقدم نظرة خاصة إلى حياتهم وعملهم ونفسيتهم، مشيرًا إلى أن هناك شيئًا شخصيًّا للغاية في الدخول إلى منزل الفنان، وفقًا لتصريحٍ له على "بي بي سي".

وبالنسبة لسام لوبيل، مؤلف كتاب "الحياة تلتقي بالفن: داخل منازل أكثر المبدعين في العالم"، فإن المنازل تعمل كمرآةٍ لمبدعيها، إذ يُرى فيها امتدادات للناس وتصادم مثير للاهتمام يعكس ذوقهم وكيف يعيشون، أو بصيغة أخرى، يراها مثل سيرة ذاتية لشخصٍ ما.

وذات لقاءٍ قال الأديب المصري، يوسف القعيد إنه عندما زار لندن، قيل له إنه إذا لم يزر ستراتفورد، قرية شكسبير، فكأنه لم يأتِ لبريطانيا.

وأضاف الأديب المصري أنه في طريقه للقرية التي تحولت بأكملها إلى متحف، فاجأه كيف كانت تذاكر القطار تحمل أشعاراً لشكسبير، وعرف حينها القيمة السياحية الكبيرة التي تقدمها ستراتفورد لبريطانيا.

قيمة ثقافية وتعزيز لذاكرة المكان

bc27268d-ea6e-4743-aa10-113d898f5852

يرى الدكتور سامي التل، المتخصص في مجال منهجيات التصميم والفنون الإبداعية في الجامعة الأميركية في مادبا، أن متاحف المشاهير أو ما يُعرف باسم المتاحف الشخصية تؤثر إلى حد بعيد في المشهد الثقافي للبلد والمجتمع، ويصفها بأنها عملية توثيق لحياة هذا الشخص المشهور وأحيانًا قد تكون بمثابة مكان لدراسة مسيرته والعوامل التي أسهمت في ما وصل إليه إلى جانب تأثيره في المجتمع.

ويضيف التل لـ "فوشيا": على سبيل المثال إذا كنا نتحدث عن فنان، فإن معظم المهتمين فيه سيلجؤون إلى المتحف الشخصي لدراسته، ومن ناحية ثقافية فهو استمرارية لتاريخه وذكراه وتثبيت الحركة الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية؛ ما يفسح المجال للمهتمين به، والذين يحاولون دراسة ما قدمه لمعرفة ذلك المشهور عن قرب.

ويعقب التل: هي مؤسسة قائمة بحد ذاتها توثق للشخص، وتبرز إرثه الفني أو الثقافي أو الأدبي وتاريخه ومسيرته، وكل تفاصيل عاشها خلال سنوات حياته.

كما أن المتاحف تعزز ذاكرة المكان أو ما يُعرف بال Collective memory، والتي تتشكل من خلال التجارب والتاريخ المشترك، وتُتَنَاقَل عبر الأجيال من السرد الثقافي والمعالم والطقوس، وتؤدي دوراً مهماً في تشكيل الهوية.

وإلى جانب ذلك تساعد على تطوير المكان الموجودة فيه، إذ لطالما بنيت مدن وقرى حول هذه المتاحف لأهميتها وهنا يحدث التطوير الحضري؛ لأنها تؤدي إلى وجود حركة سياسية وإنسانية؛ ما يعني وجود حركة سياحية في النهاية.

أخبار ذات صلة

"ساحرات البندقية".. رحلة بين الخيال والجائحة في إيطاليا 2045

قيمة اقتصادية

أكد الدكتور سامي التل أن تلك المتاحف تعتبر جاذبًا سياحيًا مهمًا، مشيرًا إلى أنها أكثر ما يجذبهم عند محاولتهم التعرف على الحركة الثقافية لبلدٍ ما، لا سيما المتاحف الخاصة بالفنانين التشكيليين أو الموسيقيين والممثلين، للاستمتاع بتاريخهم.

وليس ذلك فقط، بل يعتبرها التل أنها من أهم المحفزات السياحية والثقافية للبلد الذي أقامها واهتم بها، مستشهدًا على ذلك بأنه إذا أردنا زيارة هولندا، فيجب زيارة متحف فان غوخ، لأنه سيروي لنا تاريخًا من الفن الخاص بالرسام وبلده.

أي أنها محرك ثقافي، اجتماعي، واقتصادي؛ بسبب الدخل الذي تجلبه إلى جانب أنها توثيق واستمراية للشخص المشهور.

تاريخ الفكرة

9868266c-dddb-4ff0-bdb4-5a07c8a59cea

في حين لا توجد معلومات دقيقة حول متى بدأت فكرة تحويل منازل المشاهير إلى متاحف، إلا أنها تنبثق عن طرفين وهما إما الحكومة أو جهات مختصة بدراسة المشهور هذا أيًّا كان مجال شهرته، ومهتمة به، إذ تُؤسَس جمعياتٌٍ تُعنى بالحفاظ على التراث الفني والثقافي الذي تركه المشهور ورائه.

ويشير الدكتور سامي التل، إلى أن المتاحف تندرج تحتها ثلاث فئات وهي: مشاهير فنانون ومشاهير سياسيون ومشاهير أصحاب تأثير اجتماعي.

وفيما يتعلق بطريقة الترميم أو استغلال المكان، يوضح التل أنها تسير باتجاهين، فإما تبدأ من الصفر مثل بناء مكان مخصص لذلك المشهور، أو إجراء تعديلاتٍ على منزله تتلاءم مع متطلبات المتحف، أو التغيير المحافظ والذي لا يجري فيه أي تعديل لأي جزئية في المكان، بل يُترك كما هو.

وأيًّا كان ما يراه النُقاد والمعماريون، فإنه غالبًا ما تكون منازل المبدعين الثقافيين، أعمالًا فنية في حد ذاتها، أو لوحة أكبر تعرض تاريخًا طويلاً، نحب أن نلقي نظرة خاطفة داخلها لاستشعار عبق الماضي ومشاهدة تصوراتٍ أدبية أو فنيةٍ لطالما رويت في أعمالهم.

أخبار ذات صلة

منزل السيدة فيروز يتحول إلى متحف

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo