في خضم هذه الحياة المكتظة بالماديات، المحشوة بالأوهام والاعتبارات الزائفة، تظهر قواعد إليف شافاك إلى العالم لتحدث ثقباً في رئتي الأدب المعاصر، وتسمح لشيءٍ من الروحانية بالتسرب من خلاله، من خلال شمس التبريزي" الدرويش الزنديق" الذي استطاعت أن تشكّل منه شخصيةً إنسانية ساحرة بروح شاسعة، ودماء يتوارثها القرّاء المتعطشون للمعنى حول العالم.
فرغم أن معظم من كتبوا عن الرواية، تظاهروا بأنها عن جلال الدين الرومي، عالم الدين الشهير الذي ارتبط اسمه بالتبريزي، وتعمدوا تجاهل هذا الحضور الساحر لـ شمس، إلا أنه يبقى شمس الذي لا يشبه أحداً.
"إذا أراد المرء أن يغير الطريقة التي يعامله بها الناس، فيجب أن يغير أولاً الطريقة التي يعامل بها نفسه، وإذا لم يتعلّم كيف يحب نفسه حباً كاملاً صادقاَ، فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يحبه بها الآخرون، ومع هذا، إذا ما حققت هذه المرحلة، ينبغي أن تتوجه بالشكر لكل شوكة ربما رماك بها الآخرون، فتلك علامة على أن الورود سوف تنهال عليه قريباً".
لعل محبّي الاقتباسات والباحثين عنها سيجدون ضالتهم في هذه الرواية التي تعتبر من أكثر الروايات المزروعة بالاقتباسات المؤثرة والملهمة، ولعلّ هذا كان واحداً من أسباب شهرتها الواسعة، كونها كانت ملائمة لمتطلبات العرض الثقافي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا ليس إلا البعد الظاهري للرواية.
أما البعد الآخر فهو ذاك الذي يدركه القارئ الغارق في تشعباتها، إلى حد يجد نفسه فيه قابعاً في قلب السكون وكأنه يدور في ملكوت شمس التبريزي متتبعاً رحلته الخاصة والروحية معه.
في الرواية تدور قصتان متوازيتان في عصرين مختلفين، أولهما عصر شمس، والآخر عصر إيلا التي تتصاعد حكايتها بالتوازي مع أحداث القصة الأخرى التي نقرأها من خلالها، متتبعين هذه الرحلة الفريدة للتحرر الداخلي والخلاص إلى المعنى الحقيقي للوجود، هذا المعنى الذي لا نتلمسه عند خط النهاية، وإنما ندركه شعورياً كما هو حال بطلة الرواية.
باختصار يمكن وصف هذه الرواية بأنها أشبه برحلة خاصة وعميقة جداً، نبدأها مسلّمين يدنا إلى التبريزي، وهو يطير بنا في ملكوته مرات، ويدفعنا لندور حول أنفسنا مرات أخرى، إلا أن الممتع بالأمر هو أنك تكتشف أنك كنت تغوص في أعماقك محاولاً تفكيك شيفرتك الخاصة بينما تعتقد أنك تلاحق فضولك لفهم شمس، ومعرفة ما سوف تؤول إليه أحداث قصة إيلا وحبيبها عزيز.
في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن رواية "قواعد العشق الأربعون" صدرت عن دار الآداب، وقد طبعت منها 28 نسخة حتى الآن، وكانت المؤلفة قد أصدرتها في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2010، وترجمها للعربية محمد درويش.