ليست المشكلة في الشجار، فكل علاقة، مهما بلغت قوتها وعمقها، تمر بلحظات اختلاف، ما يصنع الفرق حقًا هو "كيف" نختلف، لا "لماذا" نختلف.
ففي قلب كل خلاف فرصة لبناء شيء أقوى، أكثر صدقًا، وأكثر تماسكًا... إن عُرف الطريق إليه.
أن تختلفي مع شريكك لا يعني أن العلاقة في خطر، بل قد يكون الاختلاف الصحي علامة على نضج العلاقة وواقعيتها.
فالعلاقات الصامتة ليست دائمًا هادئة، بل أحيانًا مشبعة بما لم يُقال. أما العلاقات التي يُسمح فيها بالنقاش، فهي غالبًا أكثر أمانًا على المدى الطويل، لأن المساحات واضحة، والمشاعر لا تُكبت.
كيف يمكنك خوض هذه النقاشات الحادة أو المؤلمة، دون أن تتحولي إلى خصم؟ إليك بعض الملامح لما يمكن أن نسميه "الشجار الذكي":
في لحظات الانفعال الشديد، لا ينتصر أحد. الكلمة التي تُقال في ذروة الغضب تُسجل، حتى لو تبعتها اعتذارات كثيرة. تأكدي أنكِ تتحدثين حين تكونان معًا في مزاج يسمح بالاستماع لا بالتراشق.
قبل أن تبدئي، اسألي نفسك: ما الذي أريده فعلًا من هذا النقاش؟ هل الهدف هو إصلاح العلاقة، أم تسجيل نقطة انتصار؟ النية تصنع الفارق الكبير بين الشجار البنّاء والشجار الهدّام.
استخدمي عبارات تبدأ بـ"أنا" بدلًا من "أنت"، مثلًا: "أنا شعرت بالخذلان عندما نسيت الموعد"، بدلًا من "أنت لا تهتم أبدًا"، هذه الصياغة تفتح باب الحوار ولا تدفع الطرف الآخر إلى الدفاع والإنكار.
الاستماع لا يعني الانتظار حتى ينتهي الطرف الآخر لتردي، بل هو حضور كامل. الإنصات الحقيقي لا يُشعر الآخر بالأمان فقط، بل يمنحه مساحة ليعبّر بصدق، وقد يُفاجئك بما لم تكوني تتوقعينه.
قد يكون الشريك أخطأ، لكنه لم يقصد الإيذاء. التفريق بين الفعل والنية يمنع تراكم الغضب، ويفتح نافذة للصفح والنمو معًا.
حتى لو كنتِ "الأكثر صوابًا"، فإن الاعتراف بجزء من المسؤولية يُظهر نضجك، ويمنح الآخر فرصة للتراجع دون أن يشعر بالهزيمة.
الشجار ليس أرشيفًا. كوني واضحة بشأن ما يزعجك الآن، ولا تستحضري أخطاء قديمة إلا إن كانت مرتبطة بشكل مباشر بسياق الحديث.
عبارات مثل "أنا أحبك حتى في وسط الخلاف"، أو "نحن في فريق واحد، حتى ونحن نختلف"، تُعيد الدفء للعلاقة، وتذكّر الشريك بأن الخلاف لا يعني الفقدان.
في النهاية، لا تقيسي نجاح العلاقة بعدد الخلافات أو قلتها، بل بطريقة إدارتها. فالعلاقة التي ننجح فيها في الشجار، دون أن نكسر احترامنا لبعضنا، هي علاقة تستحق أن تُبنى ويُراهن عليها.