في العلاقات العاطفية، كثيراً ما تطرح النساء هذا السؤال المحيّر: هل يمكن أن يحب الرجل بصدق، ومع ذلك لا يرغب في الزواج؟
وهو سؤال يكشف عن قلق داخلي مشروع، خاصة حين تلتقي المرأة بشريك تعبّر تصرفاته ومشاعره عن حب حقيقي، لكنه يتجنب الحديث عن الارتباط الرسمي، أو يرفضه بصراحة.
لفهم هذه الحالة المركبة، لا بد من الفصل بين مفهومي الحب والرغبة في الزواج، فهما وإن تلازما في الذهن التقليدي، إلا أنهما لا يشكلان بالضرورة مسارين متوازيين في الواقع النفسي لكل شخص، وخاصة الرجل.
قد يحب الرجل بعمق، ويشعر بالإعجاب والانجذاب والارتياح العاطفي الكامل تجاه شريكته، لكنه لا يرى نفسه في موقع الزوج، إما في الوقت الحالي أو على الإطلاق.
هنا لا يكون الحب موضع شك، بل الأمر مرتبط بموقفه من مؤسسة الزواج نفسها، أو من ظروفه الخاصة التي تمنعه من اتخاذ خطوة رسمية.
ومن الأسباب التي تدفع الرجل لرفض الزواج رغم الحب:
بعض الرجال يرتبط في أذهانهم الزواج بقيود اجتماعية أو مسؤوليات ثقيلة، ويخشون أن يفقدوا استقلالهم أو نمط حياتهم الذي اعتادوا عليه. قد يرون في الزواج نهاية لفترة الراحة النفسية، وليس استقراراً كما تراه المرأة.
سواء مرّ الرجل بزواج سابق انتهى بالفشل، أو شهد تجارب سيئة في محيطه الأسري، قد تتكوّن لديه صورة مشوّشة وسلبية عن الزواج، تجعله يتردد أو يرفض خوض التجربة مجددًا، مهما كانت مشاعره صادقة.
هناك رجال يحبون فعلاً، لكنهم يرون الزواج مسؤولية تحتاج إلى استعداد خاص، سواء على المستوى المادي أو النفسي. قد يشعرون بأن دخولهم في علاقة زواج في وقت غير مناسب سيضر بالشريكين معًا، ويفضلون الانتظار، وأحياناً لأجلٍ غير مسمّى.
في بعض الثقافات أو البيئات الفكرية، لا يُنظر إلى الزواج كضرورة، بل مجرد خيار ضمن خيارات متعددة للعلاقة. قد يرى الرجل أن الالتزام العاطفي لا يحتاج إلى عقد رسمي، ويعتبر أن الحب وحده كافٍ لاستمرار العلاقة.
حتى لو وُجد الحب، قد تظهر اختلافات كبيرة في طريقة التفكير أو القيم أو الخطط المستقبلية بين الطرفين. بعض الرجال، في هذه الحالة، يفضلون الانسحاب بهدوء أو الاستمرار بعلاقة غير رسمية، بدلاً من المضي في زواج يعتقدون أنه محكوم عليه بالتعقيد.
رغم أن الحب شعور جميل ومركزي في أي علاقة، إلا أنه لا يكفي وحده لبناء حياة مشتركة. فالحب دون التزام قد يتحوّل بمرور الوقت إلى علاقة غير متوازنة، خاصة إذا كان أحد الطرفين يتوق إلى الزواج وتكوين أسرة، بينما الآخر يرفض الفكرة تماماً.
في مثل هذه الحالات، تبدأ المرأة بالشعور بعدم الأمان، ويتسرّب إليها القلق، فتتساءل إن كانت كافية له، أو إن كانت علاقتها به مجرّد مرحلة مؤقتة. ومع مرور الوقت، يتآكل الحب، لا بسبب غيابه، بل بسبب غياب الوضوح والتوافق في الرغبات.
إذا وجدت المرأة نفسها في علاقة يُحبّها فيها الرجل، لكنه لا يريد الزواج، فعليها أن تطرح على نفسها بعض الأسئلة الصريحة:
الوضوح في هذه النقطة قد يكون مؤلماً في البداية، لكنه أساسي لحماية الذات من الاستنزاف العاطفي.
الحب الحقيقي لا يعني بالضرورة الرغبة في الزواج، تماماً كما أن الزواج لا يضمن وجود الحب. لكن العلاقة المتوازنة تتطلب أكثر من مشاعر دافئة؛ تحتاج إلى رؤية مشتركة، وتوقيت مناسب، واستعداد للالتزام.
فإذا غاب أحد هذه العناصر، قد يتحول الحب من نعمة إلى عبء، ومن طاقة بنّاءة إلى مصدر للقلق. لذا فإن القرار لا يتوقف على مقدار الحب، بل على مدى تلاقي الرغبات والأهداف.