عندما تغمرنا المشاعر، قد نتصرف بطريقة غير محسوبة وغير عقلانية تماما، لكننا نندم على ردود فعل كثيرة بعد أن تهدأ مشاعرنا، ويعمل عقلنا لرؤية الموقف بطريقة مختلفة، ربما أقرب للطريقة العقلانية.
لكننا في مواقف أخرى نتصرف بعقلانية مطلقة رغم أن مشاعرنا تحاول أن تخبرنا بشيء مغاير، فلا نستمع لها ونفضل اختياراتنا المنطقية.
وبين هذا وذاك نضيع في طريقة التصرف الصحيح، وكيف يمكن الموازنة بين المشاعر والعقل عندما يتوجب أن يكون لنا ردة فعل أو قرار حاسم يجب أخذه.
في هذا الموضوع نقدم لك دليلا يجعلك تعرفين دور المشاعر والعقل في هذه المعادلة لتحتفظي بتدخلاتهما معا بطريقة متوازنة ولمصلحتك أكثر.
في حياتنا اليومية، قد نجد أنفسنا أسرى ردود فعل عاطفية تدفعنا إلى اتخاذ قرارات قد نندم عليها لاحقا. عندما نشعر بالغضب، قد نرفع صوتنا، أو نتصرف بعدوانية. وعندما نشعر بالحزن، قد ننعزل أو نلجأ إلى سلوكيات غير صحية.
ولكن ماذا لو استطعنا التمييز بين العاطفة ذاتها والرغبة الملحة في التصرف بناءً عليها؟
هذا هو جوهر مهارة تنظيم المشاعر التي تُعتبر من المبادئ الأساسية في العلاج السلوكي الجدلي (DBT)، وفقًا لما ورد في مقالة منشورة في موقع Psychology Today.
وإتقان الاستماع إلى المشاعر بطريقة عقلانية، يجعلنا نوازن بين رسائلها المشروعة، وبين طريقة التصرف الصحيحة، فالمشاعر تخبرك بأشياء لا يستطيع العقل حسابها، لكنها ليست أمرا مباشرًا للتصرف والتنفيذ.
من الشائع أن نشعر بأن المشاعر وردود الأفعال الناتجة عنها شيئان لا ينفصلان، ولكن الحقيقة مختلفة. المشاعر تمنحنا معلومات ثمينة عن واقعنا الداخلي والخارجي، لكنها لا تُملي علينا الطريقة التي يجب أن نتصرف بها.
على سبيل المثال، الغضب قد يوحي بوجود ظلم يحتاج إلى معالجة، لكنه لا يفرض علينا التصرف بعنف.
إدراك هذه المسافة بين المشاعر والأفعال يمنحنا فرصة لاتخاذ قرارات أكثر حكمة بدلاً من ردود الفعل الفورية.
إحدى أكثر الأدوات فعالية في تنظيم المشاعر هي التوقف للحظة قبل التصرف. عندما نسمح لأنفسنا بلحظة من التأمل والوعي الذاتي، نُعطي لعقلنا فرصة لتقييم ما إذا كان التصرف الذي نشعر برغبة في القيام به يخدم مصلحتنا أم لا.
قد يكون الشعور بالحزن يدفعنا للعزلة، لكن هل العزلة هي الحل الأمثل؟ التوقف للحظة يمنحنا مساحة لاختيار بدائل أكثر فعالية.
هناك عدد من التمارين التي يمكن أن تساعد في فك الارتباط بين المشاعر وردود الأفعال غير المدروسة:
على سبيل المثال، عند الشعور بالغضب، قد تتولد رغبة في الصراخ أو الانسحاب. عند الشعور بالقلق، قد نشعر بالحاجة إلى تجنب المواقف المزعجة. تدوين هذه العلاقة يساعد في كشف الأنماط السلوكية وتقييم مدى فاعليتها.
حاول أن تسترجع موقفا عاطفيا قويا من العام الماضي. ماذا شعرت حينها؟ وكيف تصرفت؟ هل كان التصرف فعالا أم كان بإمكانك اختيار استجابة أفضل؟ تخيل لو أنك أخذت لحظة للتفكير قبل التصرف، كيف كان يمكن أن يتغير الأمر؟
يمكن ضبط منبهات خلال اليوم لتذكير النفس بالسؤال: "ما الشعور الذي أعيشه الآن؟ وما الفعل الذي أرغب في القيام به؟" هذا التمرين يساعد في بناء الوعي الذاتي وتقليل ردود الفعل التلقائية.
في بعض الأحيان، تكون أفعالنا ردود فعل موروثة أو مكتسبة منذ الطفولة. إحدى النساء التي خضعت للعلاج السلوكي الجدلي تحدثت عن نشأتها في بيئة كان فيها التعبير عن الغضب مقترنا بتحطيم الأشياء. أدركت لاحقا أن هذا لم يكن سوى استجابة مكتسبة يمكن إعادة برمجتها.
مارشا لينهان، مؤسسة العلاج السلوكي الجدلي، تشير إلى أن تكرار السلوكيات غير الفعالة يجعلها عادة تلقائية.
لذلك، بدلا من تعزيز هذه السلوكيات، يمكن تدريب النفس على استجابات أكثر نفعا، مثل ممارسة التأمل، أو الرياضة، أو استخدام تقنيات التهدئة الذاتية.
عندما نميز بين الشعور والرغبة في التصرف بناءً عليه، نكتسب قدرة هائلة على التحكم في حياتنا. لا يعني ذلك قمع المشاعر أو تجاهلها، بل إدراك أنها مجرد رسائل يمكننا الاستماع إليها، دون أن نمضي تلقائيا في تنفيذ أي رغبة تنشأ عنها. من خلال ممارسة هذه المهارة، نصبح أكثر تحكما في تصرفاتنا، ونقلل من احتمالات الندم لاحقا.