header-banner
تطوير الذات

جذور البرمجة اللاواعية.. عندما تتحكم بك معتقدات لا تذكر متى تبنيتها

تطوير الذات
إيمان بونقطة
27 مارس 2025,9:54 ص

تخيل أنك تقود سيارتك في طريق مألوف تمامًا، تعرف كل منعطف فيه، وكل إشارة مرور، حتى أنك لا تفكر في الطريق أثناء القيادة، بل يتحرك جسدك تلقائيًا كما لو كان مبرمجًا على هذا المسار.

الآن، تخيل أن حياتك تعمل بنفس الطريقة، وفق أنماط محددة لم تخترها بوعي، بل تكررت في عقلك منذ سنوات حتى أصبحت جزءًا منك دون أن تدركها.

هذه هي البرمجة اللاواعية؛ ذلك الصوت الداخلي الذي يخبرك أنك لست جيدًا بما يكفي، أو أن الحب يجب أن يكون معقدًا، أو أن النجاح حكر على أشخاص معينين.

إنها المعتقدات التي تسكن عقلك منذ الطفولة، تشكل قراراتك، تحدد علاقاتك، وتؤثر حتى على أحلامك، دون أن تتذكر متى تبنيتها أو لماذا لا تزال تؤمن بها.

ولكن، هل يمكنك كسر هذه الحلقة؟ هل يمكن أن تعيد كتابة السيناريو الذي يسير عليه عقلك، لتعيش الحياة التي تريدها بدلًا من تلك التي تم برمجتك عليها؟ في هذا المقال، نغوص في أعماق اللاوعي لنكشف كيف تتحكم بنا معتقدات قديمة، وكيف يمكننا إعادة تشكيلها لنحصل على حرية الاختيار الحقيقية.

كيف تتشكل البرمجة اللاواعية؟

166889c8-55a2-46b2-92db-dc8faaad9031

منذ اللحظة التي نولد فيها، يبدأ دماغنا في استقبال المعلومات من البيئة المحيطة، تمامًا كالإسفنجة التي تمتص كل شيء. الكلمات التي يقولها الوالدان، ردود أفعالهم تجاه تصرفاتنا، القيم التي يتم غرسها فينا بوعي أو دون وعي، كلها تتحول إلى برامج عقلية تحدد طريقة تفكيرنا وسلوكنا لاحقًا.

على سبيل المثال، إذا نشأت في بيئة تشجع المخاطرة والاستقلالية، فغالبًا ما ستجد نفسك واثقًا عند اتخاذ قرارات كبيرة. أما إذا كنت محاطًا برسائل تحذيرية مستمرة مثل "كن حذرًا"، "لا ترتكب الأخطاء"، فقد ينتهي بك الأمر إلى تجنب الفرص خوفًا من الفشل.

في الطفولة، يكون العقل في حالة تردد دماغي منخفض (حالة "ألفا وثيتا")، وهو ما يجعله أكثر تقبلًا للمعلومات دون فلترة أو تحليل منطقي. أي أن كل ما يقال لك في هذه المرحلة يتم تخزينه وكأنه "حقيقة مطلقة"، ويستمر في التأثير عليك حتى بعد أن تصبح بالغًا.

كيف تؤثر هذه البرمجة على حياتك؟

قد تكون البرمجة اللاواعية مسؤولة عن كثير من أنماط التفكير والسلوك التي تبدو غير منطقية لك. لماذا تشعر بعدم الاستحقاق رغم نجاحك؟ لماذا تخاف من الفشل حتى عندما تكون لديك المهارات اللازمة؟ لماذا تجد نفسك تكرر نفس الأخطاء في العلاقات أو العمل؟

 لأن هذه البرمجة تتحكم في:

  • اختياراتك: قد تدفعك معتقداتك اللاواعية إلى اتخاذ قرارات تتماشى مع الصورة التي كونتها عن نفسك، حتى لو لم تكن الأفضل لك.
  • علاقاتك: إذا كنت تحمل قناعة بأن الحب يجب أن يكون صعبًا أو مؤلمًا، فقد تجد نفسك بشكل لا واعٍ تنجذب إلى علاقات غير صحية.
  • نجاحك المهني: معتقدات مثل "المال صعب الحصول عليه" أو "يجب أن أعمل بجهد مضاعف حتى أكون ناجحًا" قد تجعلك تعمل دون راحة، دون أن تحقق التوازن المطلوب.

أخبار ذات صلة

النجاح يبدأ من عقلك.. كيف تبرمجه لتحقيق أهدافك؟

كيف تتحرر من البرمجة اللاواعية؟

رغم أن هذه المعتقدات قد ترسخت منذ الطفولة، إلا أن التحرر منها ليس مستحيلًا، بل يتطلب وعيًا وممارسة. إليك بعض الخطوات:

راقب أفكارك وتحداها

ابدأ بملاحظة العبارات التي تكررها لنفسك في مواقف مختلفة، مثل "أنا لست جيدًا بما يكفي" أو "الحياة دائمًا صعبة". اسأل نفسك: هل هذه الأفكار مطلقة؟ هل هناك أدلة حقيقية عليها؟

استخدم التأكيدات الإيجابية

العقل اللاواعي يتأثر بالكلمات التي يسمعها باستمرار. استبدل العبارات السلبية بتأكيدات إيجابية مثل "أنا أستحق النجاح"، وكررها بانتظام حتى تصبح جزءًا من وعيك.

أعد برمجة تجاربك العاطفية

غالبًا ما تكون البرمجة اللاواعية مرتبطة بمشاعر قوية. استرجع التجارب التي شكلت هذه القناعات، وأعد تأطيرها من منظور جديد. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بأنك غير محبوب لأنك تعرضت للرفض في الماضي، ذكر نفسك بأن ذلك الرفض لم يكن حكمًا على قيمتك الشخصية.

مارس التأمل والتنويم الإيحائي

التأمل وتقنيات التنويم تساعدك في الوصول إلى مستويات عميقة من اللاوعي، حيث يمكن إعادة برمجة المعتقدات السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية.

اختبر الواقع بشكل عملي

قم باتخاذ قرارات جديدة تتحدى المعتقدات القديمة. إذا كنت تعتقد أنك غير قادر على النجاح في مجال معين، جرب خطوة صغيرة في هذا الاتجاه، وشاهد كيف يمكن أن تتغير قناعاتك بالتجربة.


البرمجة اللاواعية ليست قدَرًا حتميًا، بل هي مجرد تراكم لمعتقدات قد لا تكون صالحة لحياتك اليوم. إدراك هذه البرمجة هو الخطوة الأولى لتحرير نفسك منها، والتحكم في قراراتك بعيدًا عن قيود الماضي. فكلما بدأت في تفكيك هذه القناعات، كلما استطعت أن تعيش الحياة التي تختارها أنت، لا الحياة التي تم تلقينك إياها.

أخبار ذات صلة

أسبوع بشخصية أحلامك.. تجربة مبتكرة لتطوير الذات

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo