في عالم يزداد تسارعه، وتتصاعد فيه الضغوط، أصبح مصطلح "الاحتراق الوظيفي" حاضرًا في كل نقاش عن العمل والصحة النفسية.
لكن هل هو مجرد تعبير شائع أو مشكلة حقيقية تحتاج إلى معالجة عميقة؟
يرى بعض الخبراء، مثل: شون إنفيلد، أن هذا المصطلح بات يُستخدم بإفراط حتى فقد معناه الدقيق.
ورغم ذلك، يظل الإرهاق المهني ظاهرة ملموسة لها تأثيراتها النفسية والجسدية، خاصة إذا لم يُتعامل معها بشكل صحيح.
تُعرّف الدكتورة كريستينا ماسلاش، الباحثة الرائدة في هذا المجال، الاحتراق الوظيفي من خلال ثلاثة أبعاد رئيسة:
شعور مستمر بالتعب والاستنزاف النفسي، وكأنك لم تعد قادرًا على العطاء.
تراجع في الاهتمام بالعمل أو فقدان الشغف به؛ ما يؤدي إلى التعامل مع الزملاء والعملاء بطريقة جافة أو حتى ساخرة.
الشعور بعدم القدرة على تحقيق أي تغيير حقيقي، حتى عند بذل الجهد المطلوب.
هذه الأعراض لا تؤثر فقط في الحياة المهنية، بل تمتد إلى الحياة الشخصية؛ ما يجعل من الضروري البحث عن حلول تتجاوز مجرد تخفيف الضغوط إلى تحقيق حالة من الازدهار والرفاهية.
بدلًا من التركيز فقط على مقاومة الاحتراق الوظيفي، يوجه الباحثون الآن أنظارهم إلى مفهوم أعمق وأكثر إيجابية، وهو الازدهار، أي العيش بطريقة تعزز النمو الشخصي والمهني على حد سواء.
يعتمد الازدهار على عناصر أساسية حددها خبراء، مثل: الدكتور تايلر فاندر ويل من جامعة هارفارد والدكتور مارتن سيليجمان من جامعة بنسلفانيا، والتي تشمل:
بناء علاقات قوية مع العائلة والزملاء والمجتمع.
الاهتمام بالعادات الصحية التي تدعم الطاقة والاستقرار العاطفي.
الشعور بأن لما نفعله تأثيرًا وقيمة في الحياة.
مثل التعاطف، الصدق، والانضباط الذاتي.
السعي إلى النجاح الشخصي والمهني بطريقة تُشعر الفرد بالفخر والرضا.
من بين الأساليب الفعالة لتحقيق الازدهار، تبرز الكتابة التأملية كأداة قوية تساعد على إعادة ترتيب الأفكار وبناء المرونة النفسية. يرى الباحثون أن ممارسة الكتابة بانتظام تمنح الشخص مساحة للتفكير العميق في مشاعره وتجربته اليومية؛ ما يساعده على التعامل مع التحديات بطريقة أكثر وعياً.
الانتقال من مجرد تجنب الاحتراق الوظيفي إلى تحقيق حياة مزدهرة يتطلب وعيًا أكبر بعوامل السعادة والتوازن. سواء من خلال الكتابة التأملية أو بناء علاقات أعمق أو إيجاد معنى حقيقي في الحياة، فإن تحقيق الازدهار ليس حلمًا بعيد المنال، بل رحلة تبدأ بخطوات صغيرة ولكنها فعالة.