في عالم العمل الحديث، يُعدّ الاحتراق الوظيفي من أبرز التحديات النفسية التي تواجه الكثيرين. إنه حالة تتجاوز مجرد الشعور بالإرهاق لتتحول إلى دائرة معقدة من الإجهاد العاطفي والجسدي.
وفقًا لعالم النفس هربرت فريدنبرجر وزملائه، فإن الاحتراق الوظيفي يتطور على 12 مرحلة متداخلة. دعونا نستكشف هذه المراحل لفهم الأعراض والعمل على معالجتها مبكرًا.
يمر الموظف بعدة مراحل قبل اكتشاف الاحتراق الوظيفي حسب المقال المستوحى من تحليل الأخصائي الاجتماعي ميلودي وايلدينغ، والمنشور على موقع Forbes، وهي:
تبدأ الرحلة نحو الاحتراق الوظيفي غالبًا بشغف وحماس للعمل. ولكن هذا الحماس قد يتحول إلى ضغط داخلي لإثبات الذات، حيث يشعر الشخص بأنه بحاجة مستمرة لتحقيق المزيد وبوتيرة أسرع. الطموح الزائد يصبح عبئًا نفسيًا قد يؤدي إلى استنزاف الطاقة تدريجيًا.
مع تزايد المهام والرغبة في التفوق، يبدأ العمل في التسلل إلى الحياة الشخصية. يستمر الشخص في أداء واجباته بعد ساعات العمل الرسمية، ويشعر بالرضا عندما يُشاد بإخلاصه. لكن في المقابل، يصبح الانفصال عن العمل أمرًا صعبًا، ما يضع الأساس لمزيد من الإجهاد.
في هذه المرحلة، يضع الفرد احتياجات الآخرين قبل احتياجاته الخاصة. قد يبدأ بتجاهل النوم المنتظم، وتخطي الوجبات، وتقليل الأنشطة الترفيهية. يؤدي هذا الإهمال إلى تأثير سلبي مباشر على الصحة، مثل زيادة الوزن، والأرق، وضعف التركيز.
مع التركيز الزائد على العمل، يتم تجاهل التحديات الشخصية أو المهنية. يبدأ الفرد بتجنب التفكير في المشكلات، ويعيد توجيه انتباهه إلى مسؤولياته المهنية. لكن هذا الإنكار يؤدي إلى زيادة الشعور بالتوتر والقلق، ما يفاقم المشكلة.
تبدأ القيم الشخصية في التحول بشكل ملحوظ. يصبح العمل هو الأولوية المطلقة، وتتراجع أهمية العلاقات الاجتماعية والهوايات. يتم تجاهل العناية الذاتية بوصفها غير ضرورية، وتصبح الإنجازات هي المصدر الوحيد لتقدير الذات.
مع استمرار التغيرات السلبية، يبدأ الشخص برؤية الآخرين بشكل سلبي. قد ينظر إلى زملائه على أنهم كسالى، أو يعتقد أن العملاء يطالبون بالكثير. يؤدي هذا إلى تصاعد مشاعر السخرية وانعدام التعاطف.
يبدأ الشخص في الابتعاد عن العلاقات الاجتماعية. يصبح الوقت الذي يقضيه في التواصل مع الآخرين محدودًا للغاية، وتصبح المحادثات غالبًا مرتبطة بالعمل فقط. يؤدي هذا العزل إلى تفاقم مشاعر الوحدة.
في هذه المرحلة، يلاحظ أفراد العائلة والأصدقاء تغيرات جذرية في السلوك. يصبح الفرد أكثر عصبية وسرعة في الانفعال، مما ينعكس سلبًا على علاقاته. قد يصل الأمر إلى نسيان مواعيد مهمة أو إهمال مسؤوليات شخصية.
يشعر الشخص وكأنه يعيش خارج جسده، متابعًا حياته من مسافة بعيدة. يفقد الحماس الذي كان يشعر به تجاه عمله، ويصبح أكثر سلبية أو لا مبالاة تجاه المسؤوليات اليومية.
يتصاعد الشعور بعدم القيمة وفقدان الهدف. يبدأ الشخص بالتفكير في الهروب من العمل أو حتى تغيير مهنته. قد يلجأ إلى وسائل غير صحية للتأقلم، مثل الإفراط في تناول الطعام أو الكحول.
تصبح الحياة خالية من الألوان. يشعر الفرد بالإرهاق النفسي والعاطفي الشديد، مع غياب واضح للمعنى أو الغرض. يصبح العمل عبئًا ثقيلًا بلا أي متعة.
عند الوصول إلى هذه المرحلة، قد يعاني الشخص من انهيار جسدي أو نفسي يستدعي تدخلًا طبيًا عاجلًا. يحتاج الكثيرون في هذه المرحلة إلى إجازة طويلة من العمل لإعادة بناء حياتهم.
من المهم أن تتوقف لتقييم حالتك الآن. هل تشعر بأنك في إحدى هذه المراحل؟ الاحتراق الوظيفي ليس عملية خطية؛ قد تجد نفسك تنتقل بين المراحل المختلفة. بمجرد التعرف على الأعراض، يصبح من الضروري اتخاذ خطوات عملية للتعامل معها قبل أن تتفاقم.