في زمن تزداد فيه المغريات وتكثر فيه المقارنات، قد يجد الأهل أنفسهم في مواقف محرجة أمام أسئلة بريئة من أطفالهم، تحمل في طياتها تساؤلات كبيرة مثل: "لماذا ليس لدينا أموال؟" " أو لماذا لسنا أغنياء؟".
سؤال بسيط في ظاهره، لكنه يعكس وعيًا متناميًا لدى الطفل واحتياجات نفسية عميقة تتعلّق بالأمان والانتماء والفهم.
في مقابلة خاصة للمستشارة التربوية ليال أبو سعد مع موقع فوشيا، قدمت مجموعة من النصائح التربوية المهمة، التي تساعد الأهل على التعامل مع هذه المواضيع الدقيقة بحكمة وهدوء، وتشرح كيف يمكن الحديث عن المال والموارد بطريقة تربوية لا تزرع في الطفل شعورًا بالنقص أو الخجل، بل تعزز لديه الرضا والامتنان والوعي المالي منذ الصغر.
عادةً، يبدأ الأطفال بملاحظة الفروقات المادية من عمر 4 سنوات، حيث يكون الإدراك قد نضج بشكل أفضل وأصبح الطفل قادرًا على استيعاب ما يدور حوله. في هذه المرحلة، يلاحظ الأطفال أن بعض أقرانهم يملكون ألعابًا أكثر، أو يرتدون ملابس مختلفة، أو يسكنون في بيوت أكبر. ومع دخولهم المدرسة، تتوسّع ملاحظاتهم ويبدؤون في المقارنة بشكل أوضح.
ما دلالة سؤال الطفل: "لماذا لا نملك مالًا أكثر؟"
هذا السؤال يعكس مشاعر واحتياجات لدى الطفل، منها:
التعامل مع هذا الموضوع يتطلّب وعيًا من الأهل. الطريقة الأنسب هي الصراحة المُبسّطة والمطمئِنة، وذلك من خلال:
استخدام لغة إيجابية، مثل: "كل عائلة لديها أشياء تميّزها، ونحن نتميّز بـ...".
تجنّب العبارات المقلقة مثل: "نحن فقراء" أو "ليس لدينا أموال".
استخدام جمل توضيحية مثل: "كل عائلة تصرف أموالها بطريقتها. نحن نختار ما نشتري وما نحتاج ونقوم بالتوفير للضروري".
التوعية بقيمة المال أمر أساس، ولكن التبسيط هو الأسلوب الأفضل لتجنّب وضع ضغوط نفسية على الطفل. يمكن مثلًا قول:
"بعائلتنا هناك ميزانية لكل شيء، وبهذا الشهر يمكنك أن تشتري شيئًا واحدًا حتى لا تُنهي مصروفك بسرعة".
عندما يطرح الطفل سؤالاً مثل: "لماذا لا نملك المال؟"، فإن أول خطوة يجب أن يقوم بها الوالدان هي الاعتراف بمشاعر الطفل وتقدير فضوله. يمكن الرد عليه بعبارات مثل: "سؤالك جميل، وأعجبني تفكيرك. هذا يدل على أنك واعٍ بأهمية المال وتتمنى أن يكون وضعنا أفضل." بهذه الطريقة، يشعر الطفل بأننا نفهمه ونقدّر اهتمامه.
بعد ذلك، ننتقل إلى توضيح الفكرة له، خاصةً عندما يقارن بين وضعه ووضع الآخرين. يمكننا استخدام تشبيهات قريبة من عالمه، مثل: "كل شخص غني بطريقته الخاصة، كما أن الورود تختلف في ألوانها وجمالها. الغنى ليس فقط بالمال؛ فبعض العائلات قد تكون غنية بالمال، ونحن أغنياء بأشياء أخرى، مثل الحب والدفء العائلي. الحياة مثل الطبيعة، مليئة بالأشكال والألوان والاختلافات." استخدام أمثلة ملموسة ومألوفة في حياة الطفل يساعده على فهم وتقبل الفروقات بطريقة إيجابية.
الرضا والامتنان من القيم الجوهرية في التربية. يمكن غرسها من خلال:
من الأخطاء التي يقع فيها العديد من العائلات:
الشكوى الدائمة أمام الطفل: "ليس لدينا المال الكافي".
المقارنة الاجتماعية: "فلان غني، نحن لا يمكننا أن نكون مثله".
تخويف الطفل: "إذا ضيّعت المال، لن نتمكن من شراء شيء".
تحميل الطفل أعباء الكبار: "عملنا وتعبنا لتحصيل المال، لكنك لا تقدر ذلك".
من الضروري أن يكتسب الطفل وعيًا ماليًّا منذ الصغر، ومن الأساليب المفيدة:
إعطاؤه مصروفًا شهريًا مع تعليمه إدارة هذا المبلغ.
توفير ألعاب تحاكي التعامل المالي مثل "المحل" أو "الكاشير".
استخدام حصّالة شفافة ليرى بنفسه تطور المدخرات؛ ما يعزز إحساسه بالإنجاز.
المال جزء من الحياة، ولكنه ليس كلّها. حين نُعلّم أطفالنا كيف يفكّرون بطريقة مسؤولة، ونزرع فيهم الامتنان والوعي، فإننا نمنحهم أدوات للعيش بكرامة وثقة، مهما اختلفت الظروف. والأهم من المال، أن يشعر الطفل بأنه محبوب، ومفهوم، ومسموع؛ وهذه هي الثروة الحقيقية التي لا تقدّر بثمن.