يتعامل الآباء بطرق مختلفة مع أطفالهم حسب أفكارهم ومعتقداتهم ونظرتهم التربوية التي تحدد نهج تفاعلهم معهم، كما أن شخصية الآباء تؤثر بشكل كبير في نوعية هذا التفاعل.
فالآباء المتيقظون والواعون يتصرفون بطريقة مختلفة عن الآباء الذين يدفنون الكثير من آلام الطفولة، ويعكسونها بطريقة ما على سلوكيات أطفالهم.
في هذا الموضوع سنقدم شرحًا معمقًا عن طريقة الاستجابة الصحيحة لسلوكيات أطفالك مهما كان نوعها.
عندما يتصرف طفلك بطريقة لا تعجبك، فإن ردة فعلك هي توجيه عميق لبناء شخصيته، فإما تتصرفين وفقًا لانفعالات العقل اللاواعي، أو تختارين تصرفات واعية للحفاظ على سلامة طفلك النفسية.
تعدُّ الاستجابة الواعية نهجًا يهدف إلى تعزيز علاقة أعمق وأكثر انسجامًا بين الأهل وأطفالهم، فبدلًا من التفاعل العاطفي الفوري، يشجع هذا النهج الآباء على التركيز على اللحظة الحالية، وفهم مشاعرهم ومشاعر أطفالهم بشكل أفضل، وهذه المهارة ليست فطرية، بل تتطلب ممارسة وتدريبًا لتصبح جزءًا من حياتنا اليومية.
يتفاعل الدماغ والجسم مع الضغوطات كآلية دفاعية طبيعية، عندما يشعر الدماغ بوجود تهديد، يعمل على تنشيط اللوزة الدماغية، وهي النظام المسؤول عن إطلاق استجابات "القتال، الهروب أو التجمّد"، بينما هذه الاستجابة ضرورية في المواقف الخطيرة، إلا أنها قد تؤدي إلى ردود فعل غير ملائمة في الحياة اليومية، مثل الانزعاج من سلوكات أطفالنا العادية.
على سبيل المثال، قد نشعر بالتوتر الشديد عند وقوع حادث بسيط مثل انسكاب الحليب على الأرض، وكأنه تهديد خطير، إضافة إلى ذلك، يمكن للتجارب الشخصية أو الذكريات المرتبطة بالطفولة أن تزيد حدة هذه الاستجابات، ما يجعلنا أقل قدرة على التعامل مع المواقف بهدوء وتفهم.
الدكتور دان سيجل، المتخصص في علم النفس، يوضح أن هذه اللحظات تجعلنا "نفقد السيطرة" نتيجة سيطرة المشاعر علينا، هذا النوع من التفاعل لا يقتصر على كونه غير صحي، بل قد يكون مخيفًا للأطفال، حيث يرون في ردود أفعالنا نموذجًا لكيفية التعامل مع الضغوط.
التربية عبر الاستجابة الواعية تعني أن يكون الوالد حاضرًا بشكل كامل في المواقف اليومية، مع التركيز على إدارة مشاعره أولًا قبل محاولة فهم مشاعر الطفل، يشبه هذا ما يُطلب منا في الطائرات: وضع قناع الأكسجين لنفسك أولًا قبل مساعدة الآخرين، عندما يكون الآباء مرهقين أو مستنزفين، يصبح من الصعب عليهم تقديم الدعم العاطفي المطلوب لأطفالهم.
لكن هذا لا يعني أن تكون والدًا مثاليًّا طوال الوقت، التربية الواعية ليست خالية من الأخطاء، بل تتعلق بإعادة المحاولة مرارًا وتكرارًا، وقبول الماضي دون الشعور بالذنب، والتركيز على اللحظة الحالية.
ويمكنك البدء بتطبيق الاستجابة الواعية عبر التركيز على:
تبدأ الاستجابة الواعية بالتعرف على المحفزات الشخصية التي تسبب ردود الفعل السلبية. يمكن أن تكون هذه المحفزات مرتبطة بأوقات معينة مثل نهاية يوم مرهق، أو ذكريات من الطفولة التي تؤثر في طريقة استجابتنا لسلوكات أطفالنا.
على سبيل المثال، قد يثير تصرف مثل رمي الطعام شعورًا بالخجل، أو قد يذكّرنا أداء الطفل الدراسي بمواقف مؤلمة عشناها مع أهلنا، التعرف على هذه المحفزات يساعدنا على التفاعل بشكل أكثر هدوءًا وتفهمًا.
في المواقف المثيرة للتوتر، يمكن أن يكون التوقف للحظة والتنفس العميق هو المفتاح لتجنب التفاعل الغاضب، التركيز على التنفس يهدئ الجهاز العصبي، ويمنحنا الوقت للتفكير قبل الرد، هذه الخطوة تتيح لنا اختيار الطريقة المثلى للتعامل مع الموقف، بدلًا من الانجراف وراء مشاعرنا.
من الطبيعي أن يكون لدى الأطفال صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو التحكم فيها، عندما يخطئ الطفل أو يتصرف بعناد، يمكن للآباء الاستماع إلى وجهة نظره دون حكم مسبق، هذا يساعد الأطفال على الشعور بالفهم والاحتواء، ويعلمهم كيفية التعامل مع مشاعرهم بشكل صحي.
الرعاية الذاتية ليست ترفًا للوالدين، بل هي ضرورة. إذا كان الأهل يستنزفون طاقتهم دون أخذ وقت للاعتناء بأنفسهم، يصبح من الصعب التحكم بمشاعرهم في أثناء الأزمات اليومية. يمكن أن تكون الرعاية الذاتية بسيطة مثل كتابة اليوميات، أو أخذ استراحة قصيرة، أو حتى مجرد التنفس بعمق لبضع دقائق.
أحيانًا، قد لا نتمكن من التوقف عن التفاعل الغاضب، ولكن حتى في هذه اللحظات يمكننا أن نعتذر لأطفالنا، ونوضح لهم أن الخطأ جزء من التعلم.
وختامًا، فإن الاستجابة الواعية ليست رحلة سهلة، ولكنها تستحق بذل الجهد، عندما يتعلم الآباء كيفية التحكم بمشاعرهم والاستجابة بدلًا من التفاعل، فإنهم لا يعززون علاقتهم بأطفالهم فقط، بل يقدمون لهم نموذجًا حقيقيًّا للتعامل مع التحديات اليومية.