في كل منزل تقريباً، هناك ذلك الطفل الذي يرفض الامتثال بسهولة، يتمسك برأيه، ويجادل في كل صغيرة وكبيرة.
قد يثير هذا السلوك إحباط الوالدين، اللذين يشعران أحياناً وكأنهما في معركة مستمرة لإقناع طفل صغير بتغيير موقفه.
لكن، ماذا لو لم يكن العناد مشكلة بقدر ما هو مؤشر على شخصية قوية تملك بذور القيادة؟ ماذا لو كان الطفل العنيد هو في الواقع قائد صغير يحتاج فقط إلى التوجيه الصحيح؟
العناد يُعرَّف، غالباً، على أنه رفض الامتثال أو الإصرار على تنفيذ الأمور بطريقة معينة، بغض النظر عن الإقناع أو العقاب.
لكن عند التمعّن، نجد أن العناد يحمل بين طيّاته صفات القادة الناجحين، مثل: الإصرار، والاستقلالية، والثقة بالنفس.
فالطفل العنيد لا يقبل الأمور كما هي، بل يُحب استكشاف الأسباب والدوافع، وهو ما قد يكون علامة على ذكاء حادٍ وشخصية قيادية بالفطرة.
ليس كل عناد سلبياً؛ هناك عناد نابع من العاطفة والمشاعر، مثل الإصرار على اللعب لفترة أطول أو رفض تناول الطعام، وهناك عناد إيجابي يعكس رغبة في الاستقلالية، والقدرة على اتخاذ القرار.
على سبيل المثال، عندما يرفض الطفل تنفيذ أمر معين لأنه يرى فيه ظلماً أو إجحافاً، فهو في الواقع يعبّر عن تفكير مستقل، وقدرة على اتخاذ موقف.
بدل أن تحكمي على طفلك بأنه عنيد، ربما حان الوقت للتعامل المختلف مع هذه الصفة للحفاظ على شخصيته القيادية بدل دفنها، إليك بعض النصائح:
بدلاً من التعامل مع العناد على أنه مشكلة يجب القضاء عليها، يمكن للوالدين الاستماع إلى الطفل ومنحه الفرصة للتعبير عن وجهة نظره. القادة العظماء لا يُحبَطون بسهولة عندما يُواجهون اعتراضات، بل يحاولون فهم دوافع الآخرين، وهذه مهارة يمكن غرسها في الطفل منذ الصغر.
الطفل الذي يشعر بأنه مجبر على شيء معين، غالباً ما يرفضه لمجرد الشعور بفقدان السيطرة. تقديم خيارات بديلة يعزز لديه الإحساس بالاستقلالية، مما يجعله أكثر قابلية للتعاون. فبدلًا من قول "عليك أن تنام الآن"، يمكن استخدام عبارة مثل: "هل تفضّل قراءة قصة قبل النوم أم الاستماع إلى الموسيقى الهادئة؟"
بدلاً من الدخول في معارك لا تنتهي مع الطفل العنيد، يمكن تعليمه فن التفاوض. القائد الناجح لا يعتمد على العناد وحده، بل يُتقن مهارات الإقناع، وإيجاد الحلول الوسط.
على سبيل المثال، إذا أصرّ الطفل على ارتداء ملابس غير مناسبة للطقس، يمكن تقديم حل وسط، مثل: "يمكنك ارتداء ما تريد، لكن يجب أن تأخذ معك سترة احتياطية إذا شعرت بالبرد".
تشجيع الطفل على التفكير في عواقب قراراته يعزز لديه مهارات القيادة. بدلاً من رفض طلبه مباشرة، يمكن سؤاله: "ما رأيك فيما سيكون أفضل خيار لك؟ ولماذا تعتقد ذلك؟" عندما يعتاد الطفل على تحليل قراراته، سيتعلم تدريجياً كيف يكون مسؤولًا عن اختياراته.
القائد الصغير يحتاج إلى مساحة ليجرب ويخطئ ويتعلم. إذا تم التعامل مع العناد على أنه صفة سيئة يجب التخلص منها، فقد يُصبح الطفل متردداً في التعبير عن رأيه. من المهم مدح استقلالية الطفل عندما يتخذ قرارات جيدة، وتشجيعه على تجربة أشياء جديدة دون خوف.
رغم أن العناد قد يكون مؤشراً على شخصية قوية، إلا أنه قد يتحوّل إلى مشكلة إذا كان مصحوباً بسلوك عدواني، أو إذا أصبح الطفل يرفض كل شيء لمجرد الرفض فقط.
في هذه الحالة، من المهم البحث عن الأسباب الكامنة وراء السلوك، فقد يكون الطفل بحاجة إلى مزيد من الاهتمام أو قد يشعر بأنه لا يتمتع بحرية كافية لاتخاذ قراراته الخاصة.
الطفل العنيد قد يكون قائداً بالفطرة، وما يحتاجه ليس القمع أو الإكراه، بل التوجيه الصحيح. عندما نساعده على تطوير مهارات التفاوض، وتعزيز ثقته بنفسه، وتعليمه كيفية اتخاذ القرارات بحكمة، فإننا لا نحاول "إصلاح" عناده، بل نحوله إلى قوة إيجابية تُمهّد له الطريق ليكون قائداً ناجحاً في المستقبل.