حين نستحضر مشهد الإخوة في مرحلة الطفولة، نجد أن الرابط بينهم قد يشبه خيطًا دقيقًا بين الحب والمنافسة.
ففي لحظات، يضحكون ويتقاسمون أسرارهم الصغيرة، وفي لحظات أخرى، تتصاعد الخلافات وتتحول إلى صراعات قد تمتد تأثيراتها إلى مرحلة الرشد.
تربية الإخوة على المحبة والدعم المتبادل ليست مهمة عابرة، بل هي بناء طويل الأمد، يبدأ منذ اللحظة التي يحتضن فيها الطفل أخاه الجديد، ويُصاغ عبر كل تفصيلة يومية في الحياة الأسرية.
العلاقة بين الإخوة تشكل أول مدرسة اجتماعية يختبر فيها الطفل قيم المشاركة، التعاطف، والحدود الشخصية. هي مختبر حقيقي يتعلم فيه كيف يحب، وكيف يحل الخلافات، وكيف يرى نفسه بين الآخرين.
ومن هنا، فإن إدارة العلاقة بين الإخوة بحكمة ليست مجرد خطوة لضمان أجواء منزلية هادئة، بل استثمار عميق في مهاراتهم الاجتماعية والشخصية طوال حياتهم.
وأنتِ كأم يمكنك المساهمة في بناء علاقة متينة بين أطفالك، تبدأ من الصغر وتمتد إلى علاقة قوية ومتينة فيما بعد عندما يكبرون:
حين يقع الأهل في فخ مقارنة طفل بآخر، ولو بنية التحفيز، تتسلل بذور الغيرة والشعور بالنقص بين الإخوة.
عبارات مثل "لماذا لا تكون مرتبًا كأخيك؟" قد تبدو عابرة، لكنها ترسّخ لدى الطفل إحساسًا بالدونية أو التنافس المَرَضي. الأفضل أن يُعامل كل طفل كوحدة مستقلة، يُحتفى بإنجازاته الخاصة ويُقدر تفرده.
يشعر الأطفال بسرعة مذهلة بأي مظاهر تفضيل أو تمييز. لذلك، يجب أن يكون العدل حجر الأساس في التعامل مع جميع الأبناء، سواء في قضاء الوقت، أو توزيع المسؤوليات، أو حتى في تقديم الهدايا والعقوبات. الإنصاف يمنح كل طفل إحساسًا بالأمان العاطفي، ويعزز احترامه لإخوته.
بدل التدخل الفوري في كل شجار، يمكن أن يتعلم الأطفال كيف يحلون خلافاتهم بأنفسهم. عبر حوارات بسيطة، يمكن للأهل أن يرشدوا أبناءهم إلى استخدام كلماتهم بدلاً من الصراخ، وإلى التعبير عن مشاعرهم بوضوح، والبحث عن حلول وسط ترضي الطرفين.
يحتاج كل طفل إلى أن يشعر بأنه محبوب لذاته، لا كمجرد عضو ضمن مجموعة. منح كل طفل وقتًا فرديًّا مع والديه يعزز هذا الشعور، ويخفف من احتدام مشاعر التنافس مع أشقائه.
الأنشطة العائلية المشتركة، مثل الرحلات، أو جلسات اللعب، أو حتى مشاريع صغيرة كالرسم معًا، تخلق ذكريات سعيدة تبني شعور الانتماء. هذا الرابط العاطفي القوي يكون رصيدًا يحمي علاقتهم في وجه الخلافات المستقبلية.
شجعي أبناءك على الاحتفاء بنجاحات بعضهم البعض، ومساندة بعضهم في الفشل. عبارات بسيطة مثل "أنا فخور بك" حين يقولها الأخ لأخيه، تصنع أثرًا عميقًا في بناء علاقة داعمة ودافئة بينهما.
من المهم الاعتراف أن الإخوة، مهما تربوا تحت سقف واحد، يظلون أفرادًا مختلفين بطبعهم واحتياجاتهم. قد يكون أحدهم انطوائيًّا وآخر اجتماعيًا، أو أحدهم يحب الرياضة وآخر الفن. تقبّل هذه الفروقات وعدم محاولة توحيدهم قسرًا، يحمي علاقتهم من الشعور بالمنافسة السلبية.
تربية إخوة يحبون بعضهم البعض بصدق، ويدعمون بعضهم في مواجهة الحياة، ليست ثمرة عشوائية، بل نتاج وعي مستمر من الوالدين. هي زرع يُروى بالعدل والاهتمام، وينمو بالحب والتقدير.
والأجمل، أن الإخوة الذين يكبرون على أسس متينة من المودة والدعم، يصبحون سندًا حقيقيًّا لبعضهم البعض حين يغيب عنهم من كانوا يحتمون بهم.