في كل عائلة، تُشكّل العلاقات بين الإخوة نسيجًا دقيقًا من الحب والمشاركة والمنافسة.
لكن عندما يكون أحد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، تتغيّر معادلات هذا النسيج بشكل ملحوظ. فالعائلة ككل تُعاد هيكلتها لتلائم احتياجات الطفل، وتعيد ترتيب أولوياتها اليومية والعاطفية.
وسط هذه التحولات، يبرز الإخوة والأخوات كشخصيات تتأثر بطرق قد تبدو خفية، لكنها تحمل أثرًا عميقًا في نموهم النفسي والاجتماعي.
إن فهم طبيعة هذا التأثير لا يساعد فقط على حماية صحة الإخوة العاطفية، بل يسهم أيضًا في خلق بيئة أسرية أكثر توازنًا وعدلاً.
وفي هذا الموضوع، نستعرض أبرز ملامح التأثير، وكيف يمكن للأسرة أن تحتضن الجميع بحب ووعي.
غالبًا ما يعيش الإخوة حالة من المشاعر المتناقضة. فهم يشعرون بالحب تجاه شقيقهم، لكنهم قد يختبرون في الوقت ذاته مشاعر الحزن أو الغيرة أو القلق بسبب انتباه الوالدين الإضافي نحو الطفل ذي الاحتياجات الخاصة.
قد يظهر الإحساس بالمسؤولية مبكرًا لديهم، وهو ما يجعلهم يبدون أكثر نضجًا مقارنة بأقرانهم، أو على العكس، قد يحاولون لفت الانتباه بسلوكيات صاخبة أو انسحابية.
يتعلم الإخوة مبكرًا قيمًا، مثل الصبر، والتعاطف، وتحمل الاختلاف. ومع ذلك، قد يؤدي الضغط المستمر إلى مشكلات سلوكية أو صعوبات في التكيف الاجتماعي، خاصة إذا شعروا بأن متطلباتهم أقل أهمية من متطلبات أخيهم.
وقد يحتاج بعضهم إلى دعم نفسي خاص لمساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية ومتوازنة.
في حالات يكون فيها الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة هو الأخ الأكبر، قد يتأثر الأشقاء الأصغر سنًا بطريقة فريدة.
فبدافع الحب والارتباط القوي، قد يميل بعض الإخوة إلى تقليد سلوكيات أخيهم الأكبر، بما في ذلك بعض مظاهر التأخر أو الصعوبات، رغم أنهم في الأصل أطفال طبيعيون لا يعانون أي اضطرابات.
هذا التقليد العفوي قد يظهر عبر ضعف الرغبة في تطوير المهارات اللغوية أو الحركية أو الاجتماعية بالسرعة المتوقعة، ليس لأن الطفل غير قادر، بل لأنه يحاكي النموذج الأقرب إليه عاطفيًّا.
هنا، يتطلب الأمر وعيًا خاصًّا من الأهل لملاحظة هذا التأثير مبكرًا، وموازنة الرعاية بين جميع الأطفال، مع تشجيع كل طفل على تطوير قدراته الفردية، دون إشعاره بالضغط أو المقارنة.
عندما تشعرين بالارتباك حول أطفالك الآخرين، حاولي بدايةً تطبيق الآتي معهم:
إعطاء مساحة حرة للتعبير عن مشاعرهم دون أحكام أو تقييد.
الحرص على قضاء وقت خاص مع كل طفل على حدة لتعزيز شعوره بالأهمية والخصوصية.
شرح حالة الأخ بطريقة مبسطة تتناسب مع عمر الطفل ومستوى فهمه؛ ما يساعده على التعامل معها دون خوف أو شعور بالذنب.
تشجيع كل طفل على استكشاف مواهبه الخاصة والاحتفال بإنجازاته، مهما كانت بسيطة.
في حال ملاحظة أي مشكلات سلوكية أو عاطفية متكررة، من المهم استشارة أخصائي نفسي مختص بالأطفال لدعم الأسرة بالكامل.
وجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل الأسرة اختبار حقيقي للحب غير المشروط، وللصبر، وللتماسك العائلي. ورغم التحديات، فإن الإخوة الذين يكبرون إلى جانب شقيق مميز غالبًا ما يحملون معهم دروسًا عظيمة في التعاطف وقوة الشخصية والمسؤولية. المهم أن يتم الاعتراف بتأثير هذه التجربة عليهم، ومرافقتهم خلال رحلتهم الخاصة نحو التوازن والاكتمال.